ابراهيم عسيلي
أراد أن يصبح «مغواراً». حلم راوده منذ الصغر فللجيش في قلب إبراهيم مكانة خاصة. سعى إبراهيم لتحقيق حلمه، فالتحق بالخدمة العسكرية. وخلالها، فقد بصره إثر حادث تعرض له في المعسكر، ثم سُرِّح من الجيش من دون تعويض يساعده على إكمال«حياته الجديدة» مع وضعه المستجد
إبراهيم حسن عسيلي، شاب جنوبي يبلغ من العمر 23 عاماً، لديه ثلاثة أخوة هو أكبرهم. يتيم الأب، أما والدته، فتعمل ناطورة في أحد المنازل في بلدة الشهابية. التحق بالجيش يوم 11/11/2003 في معسكر الوروار، وأثناء خضوعه للدورة التدريبية، سقط لوح خشبي على رأسه من المدرج حيث كان يقف هو وزميلاه المجندان، ورقيب أول ينتظرون الدور لإجراء امتحان الرياضة في دورة المغاوير. قال إبراهيم لـ«الأخبار»: «لقد كانت الضربة قوية، لكني تحملت حتى لا تضيع علي فرصة إجراء الامتحان الذي نجحت فيه». بعد الحادث وطوال فترة ثلاثة أشهر، لم يشعر إبراهيم بأي خلل في بصره، فقط وجع في الرأس.
«استيقظت ولم يكن بإمكاني أن أرى!»
بعد مرور فترة من الوقت، نقل إبراهيم للخدمة في صور. وبعد ثلاثة أشهر «في صور تبرعت بالدم في المستشفى العسكري وعدت إلى الثكنة. كان عندي حرس عند الساعة السادسة صباحاً. وحينما استيقظت، كان ضغطي منخفضاً، ولم أتمكن من الإبصار». عند ذلك، نقل إلى مستوصف الطوارئ في الثكنة حيث عولج انخفاض ضغط الدم لديه، لكن بقيت مشكلة عينيه. «في ذلك اليوم أظهر فحص النظر فقدان خمس درجات من كل عين»، يقول إبراهيم، مضيفاً: «طلب مني الطبيب إجراء صور سكانر لرأسي لمعرفة السبب، إلا أن الجيش رفض الموافقة عليها». يذكر إبراهيم أنه بقي من دون علاج مدة أربعة وعشرين يوماً، إلى أن فقد البصر كلياً في عينه اليمنى، فيما لم يعد يرى في اليسرى إلا بمقدار درجتين، حينها أدخِل قسم الطوارئ في المستشفى في صور. وجاء تشخيص الطبيب كالتالي: «التهاب في العصب البصري ونشفان في شبكة العين نتيجة انغلاق المصرف المائي وتجمع المياه في الرأس». وذكر في التقرير الطبي الذي كتبه الطبيب المتعاقد مع الجيش رونالد موسى ما يلي: «يبدو أن معظم العوارض التي ظهرت هي نتيجة ضربة على الرأس». أما لماذا لم تظهر العوارض مباشرة بعد الضربة، فتفسيرها، بحسب ما ينقل إبراهيم عن أطبائه، أن في جسم الإنسان دورة مياه تشبه دورة الدم، وبما أن مجرى المياه قد أغلق نتيجة الضربة، استمرت المياه بالصعود إلى الرأس طوال فترة ثلاثة أشهر حتى شكلت كيس مياه أدى إلى حدوث الالتهاب في العصب البصري. حينها أجرى إبراهيم عملية جراحية زُرع خلالها في رأسه جهاز لتصريف المياه، كلّف 11 مليون ليرة تكفل بها الجيش. كذلك يذكر إبراهيم أن الطبيب في الجيش الذي كلف التحقيق في معرفة سبب فقدان البصر، وضع تقريره من دون أن يكشف عليه ومن دون أن يكون إبراهيم موجوداً. وجاء تقريره ليفيد بأن سبب الالتهاب الذي أدى إلى فقدان البصر هو حبة في مصرف المياه مسؤولة عن إغلاق هذا المصرف، وأن هذه الحبة موجودة معه منذ ولادته، من دون أن يذكر أن الضربة هي التي أغلقت هذا المصرف كلياً.
بالمقابل، يذكر تقرير أعدته الطبيبة المتعاقدة مع الجيش، عبير دياب، التي عاينته يوم 17/3/2004 أن الفحص المغناطيسي بيّن وجود ورم قديم في الرأس.
يرى إبراهيم أن أساس المشكلة هو رفض الضابط (آمر السرية) الاعتراف بحصول الحادث في المعسكر، رغم وجود الشهود (المجندين والرقيب أول)، مصراً على اعتبار أن إبراهيم تعرض للحادث خارج المعسكر. «قلت لهم في التصنيف الصحي إن هناك شهوداً أثناء وقوع اللوح على رأسي، فقالوا لي: الوروار كله كاذب، كلمة من الضابط أصدق منهم»، يقول إبراهيم.
يذكر المجند السابق أنه تقدم بطلب تحقيق، لكن طلبه رُفِض بعدما رأى المعنيون أن أقواله كلها كاذبة وأنه تعرض للحادث خارج الخدمة. ورغم ذلك، أدى الجيش واجبه معه حيث تكفل بمصاريف عمليته وأعفاه من خدمة أربعة أشهر.
ويذكر إبراهيم أنه حينما طلب إفادة من الضابط تشير إلى تعرضه للحادث في المعسكر، سأله الأخير إن كان هناك شهود على الحادثة، فأخبره عن الرقيب أول.
عندها، يقول إبراهيم، استدعى الضابط الرقيب الذي أكد ما قاله إبراهيم. عندها، غاب الضابط لحوالى 10 دقائق، وعاد ليخبر إبراهيم أنه لن يعطيه الإفادة. أما عن سبب ذلك فيقول إبراهيم: «لا أعلم. ربما لأنه سيتحمل مسؤولية الإهمال. فهو لم يكن موجوداً في المعسكر عند تعرضي للحادث، إضافة إلى مسؤولية تأخيري عن تلقي العلاج لأربعة وعشرين يوماً كان يمكن ان تنقذ ما بقي من نظري». بعد ذلك تقدم إبراهيم بعدة طلبات لإعادة النظر بوضعه، لكنها رفضت جميعها، وكان آخرها بعد حرب تموز.
وبسؤال إبراهيم عن سبب عدم لجوئه إلى القضاء، يجيب: «لا نملك المال. أمي تعمل ناطورة، وما تجنيه بالكاد يكفينا كي نعيش». ويذكر إبراهيم أنه لجأ إلى العديد من الضباط في الجيش، لكنهم رفضوا مساعدته، ولجأ كذلك إلى عدد من المسؤولين في حركة أمل الذين وعدوه بمقابلة الرئيس نبيه بري، لكن كل ذلك لم يتحقق. بعدها لجأ إلى أحد المسؤولين في حزب الله، وكان الأمر كذلك من دون جدوى. يقول إبراهيم بغصة: «يمكن واسطة الضابط ماكنة».
«خرجت بمرض غير قابل للشفاء»
يعيش إبراهيم اليوم في مجمع لرعاية المكفوفين، بعدما تمكن من الحصول على بطاقة معوق من السيدة رندة بري، ويذكر أنه كان قد تسجل في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية - قسم علم النفس، لكنه اضطر لترك الجامعة بسبب وجع الرأس الذي يلازمه بعد توقف الجهاز الموضوع في رأسه. ويشير إبراهيم إلى أن لديه موعداً في مستشفى أوتيل ديو بتاريخ 7/1/2008 لإعادة فحص الجهاز. أما عن نظرته إلى المستقبل فيقول: المستقبل أسود. ما الفرق بيني وبين الميت. كيف بدي عيش؟
يصر إبراهيم على اعتبار أن الجيش لم ينصفه، ويشير إلى أنه خلال فترة وجوده في الجيش أعطي 3 استراحات، مرة كل منها شهر، وتسمى في الجيش نقاهة، وأنه في الشهر الثامن لوجوده في الجيش جددت له فترة النقاهة لمدة شهر آخر. لكن، في الوقت نفسه، أخبروه بأمر تسريحه، مع بطاقة إعفاء نهائي من خدمة العلم، كُتِب فيها أن سبب الإعفاء «مرض غير قابل للشفاء». يرجو إبراهيم مقابلة قائد الجيش أو وزير الدفاع، مشيراً إلى أن بإمكانهما إنصافه على اعتبار «واسطة الضابط مش رح تمشي على قائد الجيش أو وزير الدفاع».
تعليقات: