لا أحد من المشاركين في طبخة القانون الانتخابي يستطيع أن يرسم السيناريو الذي سيحكم البلد بعد 20 حزيران، إذا ما وقع المحظور ودخل لبنان في فراغ مجلسي.
ثمة مَن يستسهل فترة ما بعد 20 حزيران ويرى الأمور محلولة بآلية دستورية، توجب إجراء الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية المجلس الحالي. وهذا هو منطق رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه التيار الوطني الحر. والملاحظة التي ينبغي التعمق فيها هي أن أياً من الحلفاء الحاليين لرئيس الجمهورية والتيار الحر، لم يتبنَّ علناً وربما سراً، هذه الآلية، بل يُنظر اليها نظرة شك.
وثمة مَن يستصعب تلك المرحلة، أي مرحلة الفراغ المجلسي، ويرى في بلوغ هذه الحالة نوعا من الاعدام لكل الدولة ومؤسساتها، ذلك ان الدستور لم يلحظ هذه الحالة، ولا كيفية درء خطرها، ما يعني ان الآلية المحكي عنها رئاسيا، لا وجود لها في الدستور بل هي نابعة عن اجتهادات وصفها الرئيس نبيه بري بـ"الشيطانية"، التي تسقط لبنان في هاوية لا قيامة له منها.
النقاش يجري ولا يجري، وكلام كثير من هنا وهناك، والنتيجة صفر. وكل يوم يمر تتوسع الهوة الفاصلة بين "المتناقشين. ويضعف الامل في تضييقها. وهذا معناه أن البلد يُقاد إلى المجهول. ومع ذلك، يصرّ البعض على الاعتقاد بأن "الظرف الحالي" جعله "المحور"، وجعل كلمته هي العليا وكلمة الآخرين هي السفلى. وملّكه قوة خارقة لعضّ اصابع هذا الطرف، او لمحاولة ليّ ذراع ذاك الطرف، بهدف تحقيق كسبٍ انتخابي قابل للتسييل في استحقاقات مستقبلية. وهو أداء ردّته مستويات سياسية مختلفة إما الى جهل بواقع الحال اللبناني وتركيبته السياسية التي لا يمكن ان تُدار من طرف واحد، وإما الى كيد ورغبة في الانتقام والثأر ممن يغرّد خارج السرب، وإما الى مراهقة سياسية بمنطق متعالي يريد ان يقول "كن فيكون" على كل شيء، من دون ان يدرك الحقيقة اللبنانية وطبيعة التوازنات التي هي صاحبة الكلمة الفصل في النهاية!
وبقدر ما هي لعبة جماهيرية استقطابية تجييشية، هي لعبة "روليت روسية" تجري على المسرح الانتخابي، وأخطر ما فيها ان لا رصاصة واحدة في "بكرة" المسدس، بل ست رصاصات وكيفما كُبِس الزناد طار البلد ونُسِفَ كل شيء. ومن هنا تُسدى النصائح "للاعبين"، من الصديق والحليف، وحتى من الخصوم في السياسة، بمحاذرة الاستمرار في هذه اللعبة.
وقيل "كلام حريص": الواقعية اولا واخيرا .. اي فريق يشعر أنه قوي، والظرف مؤاتٍ له لا يستطيع ان يدهن البلد بلونه، او يقوده وفق رغبته ومشيئته، في النهاية نحن في لبنان وأي ظرف مهما كان يبقى مؤقتا وليس دائما، فقد بنشأ ظرف معاكس له تماما في اي لحظة".
وقيل ايضا: "الطموحات مشروعة للجميع، ولا يمكن ان تفرض الافكار فرضا على الآخرين على قاعدة "هذا ما عندنا.. وما عند الآخرين لا يعنينا ولا يلزمنا". واذا كان هناك مَن يفكر بأنه إن يستطيع فرض ارادته والزام الآخرين بطروحاته يرتكب الخطأ الكبير".
ولكن يبدو أن هذه النصائح لم تجد مَن يتلقفها ويتعمّق فيها، إذ جاء الجواب صادماً:" في يدنا "جوكر"، إن لم نستخدمه اليوم، فقد لا نستطيع ان نستخدمه في اي وقت آخر". ومثل هذا الكلام قيل علناً في احدى المقابلات التلفزيونية قبل ايام قليلة.
تلك هي الصورة التي ضاق فيها الوقت وضاقت معه منافذ الحلول، واما الكلام عن اتصالات و"نوايا صادقة" فصار بلا معنى. ولكن بدأ في بعض الزوايا كلام عن "ربع السّاعة الاخير"، الذي قد يضطر الجميع للذهاب رغما عنهم وقبل 20 حزيران، الى "خطوة انقاذية" تكون:
- اما بانعقاد المجلس النيابي في الآن حتى 31 ايار (ضمن العقد العادي)، او ضمن عقد استثنائي يفتح بعد 31 ايار، لاقرار قانون جديد مع تمديد تقني لاشهر.. وهذا الاحتمال وارد لكنه صعب ربطا بالافق المسدود حاليا.
- إما بانعقاد المجلس خلال الفترة ذاتها، على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، لاقرار اقتراح التمديد المقدم من النائب نقولا فتوش.
- إما بانعقاد المجلس، وخلال الفترة ذاتها ايضا، وعلى القاعدة ذاتها، لاقرار تعديلات في القانون النافذ حاليا. اي قانون الستين. لاجراء الانتخابات على اساسه بعد تمديد تقني لستة اشهر على الاكثر.
ولكن، حتى هذا "الربع" ليس اكيدا الوصول اليه، لسببين:
الاول، ان "مطبخ الاجتهادات" يحاول في هذه الفترة، زرع اجتهاد جديد في بعض الاذهان، يقول بامكانية "ان يبادر رئيس الجمهورية الى الطلب من الحكومة حل المجلس النيابي قبل 20 حزيران، على ان يقترن الحل بتحديد موعد اجراء الانتخابات خلال ثلاثة اشهر. ولكن لأي سبب سيُحل المجلس، والدستور يحدد حالات محدودة جدا (الامتناع عن الانعقاد خلال عقد عادي أو عقدين استثنائيين متواليين، أو رد الموازنة بقصد شل يد الحكومة عن العمل...) ولو سلمنا بالحل (وهذه فرضية غير واقعية)، فوفق اي قانون واي مهل ستجري الانتخابات؟
الثاني، ان رئيس الجمهورية، يبدو انه بدأ يكيّف نفسه مع مرحلة ما بعد 20 حزيران، تحكمه قناعة ان الدستور يرعى تلك الفترة، ولا يبدو انه بصدد التراجع عن هذه القناعة... وهنا تحضر التساؤلات التالية:
هل الرئيس مطمئن فعلا لمرحلة الفراغ، وان امكانية سد الفراغ ممكنة؟ وهل هو مطمئن أن الحكومة ستبقى بعد انتهاء ولاية المجلس؟ وماذا لو طارت الحكومة بحكم انتهاء الولاية المجلسية، او بحكم خروج الوزراء الشيعة والدروز وحلفائهم منها، فكيف ستسير الامور؟ وهل هو مطمئن لبقاء عمل المؤسسات على ما هو عليه في ظل دولة قائمة بكل موصفاتها، وكيف سيكون حالها عندما تُفقد تلك المواصفات؟ ومَن سيقود الدولة ومصالح الناس في تلك الفترة وكيف؟ والاهم هل هو مطمئن لعهده في مرحلة الفراغ، وكيف سيكون حاله، هل بذات المعنويات والهيبة والقدرة، التي هو عليها الآن، ام انه سيصبح عهدا مكسورا من بدايته، ولن يكون قادرا على فعل شيء لافتقاده الصلاحيات التي تخوله ذلك؟
واستكمالا لكل ذلك، مَن هو الخاسر الاكبر اذا ما تداعى الهيكل وسقط على الجميع، اليس العهد؟
تعليقات: