لم تتأخر “بلدية كفرتبنيت” في قضاء النبطية كثيراً عن قيامها بمبادرة جمالية وبيئية نحو “غابة كفرتبنيت” الصنوبرية النادرة، فكان أن أنشأت غداة تحريرها من الإحتلال الإسرائيلي وعملائه عام 2000، حديقة عامة شملت القسم الغربي منها، أطلقت عليها إسم “حديقة بوابة التحرير”، لوقوعها على خط التماس بين ما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل والأراضي المحررة، وعلى بعد عشرات الأمتار من “معبر كفرتبنيت” الذي كان يفصل بين المنطقتين.
من خلال هذا المشروع أعادت البلدية للغابة المذكورة، جزءاً من رونقها الطبيعي البهيج، بعدما فقدته إبان رزوحها تحت الإحتلال الإسرائيلي أكثر من عقدين من الزمن، كانت كافية للقضاء على أكثر من نصف أشجارها، جراء تعرضها للقصف والحرق والتحطيب والتفحيم على أيدي عناصر الإحتلال وعملائه.
اليوم باتت الحديقة متنفساً للكثيرين من أهالي البلدة والعابرين على طريق عام مرجعيون ـ النبطية، للتنزه والترويح عن أنفسهم والتمتع بالطبيعة الساحرة، والتفيؤ في ظلال أشجارها الوارفة، وقد زرع جزء منها بالورود وجهزت بالمقاعد والطرقات الخرسانية، وزودت بشبكتي المياه والكهرباء والمرافق الصحية، وأنشأت فيها كافيتيريا لتلبية طلبات الزائرين، وذلك بإشراف موظف من أبناء البلدة يسهرعلى رعايتها ونظافتها بشكل يومي، وقد تحولت إلى قطعة من الجنة.
بلغت تكاليف الحديقة 20 مليون ليرة قدمها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس بلدية كفرتبنيت أدهم طباجة، حين تنفيذها خلال أول ولاية بلدية بعيد العام 2000.
ويرى رئيس بلدية كفرتبنيت أدهم طباجة، أنه من خلال مشروع حديقة بوابة التحرير، تكون البلدية قد وفت غابة كفرتبنيت الصنوبرية النادرة بعضاً من حقها، بعد أن كانت حتى قبيل العام 1977 تعد واحدة من أجمل الغابات في الجنوب، ذات الأطراف المترامية على مساحة عشرات الدونمات من الأراضي الصخرية، والتي كانت تحتوي على مئات الأشجار الباسقة التي يغلب عليها الصنوبر البري والبلدي وأنواع من السرو والشربين والصفصاف والكينا واللوز، ولموقعها المميز على جانبي طريق عام مرجعيون ـ النبطية، الذي يخترق وسطها ويقسمها إلى قسمين يمتدان شرقاً وغرباً، ويطلان على مساحات واسعة من مناطق قضائي جزين ومرجعيون ومجرى نهر الليطاني ذات الطبيعة الخلابة.
ويشير طباجة إلى تحول غابة كفرتبنيت بفعل الحروب الإسرائيلية التي عصفت في الجنوب منذ العام 1977 وحتى العام 2000، إلى خط للتماس بين المناطق المحررة، وما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل، حيث تعرضت لمجزرة بيئية وطبيعية كبيرة طاولت شجرها وحجرها، وتسببت في القضاء على أكثر من نصف ثروتها الحرجية، التي احترقت بفعل القصف المدفعي، الأمر الذي أدى إلى انحصار مساحتها الخضراء، بحيث لم يتبقَ فيها سوى مئات الأشجار التي أثخنتها جراح الحرب، حتى كاد معلم جديد من معالم الطبيعة الجميلة في الجنوب يوشك على الزوال، مما جعل البلدية تبادر لإنقاذ ما تبقى من شجراتها، من خلال إنشائها الحديقة المذكورة.
زرعت غابة كفرتبنيت في بداية الستينيات برعاية رئيس الحكومة آنذاك المغفور له رشيد كرامي، والذي حضر شخصياً بطائرة مروحية إلى أرضها، يرافقه وزير الداخلية بيار الجميل ووزير الزراعة محمد صفي الدين وزرع أول غرسة فيها، إيذاناً بالبدء في زراعتها.
شارك في زراعة الغابة مئات الطلاب والكشافة من أبناء بلدة كفرتبنيت والمنطقة المجاورة، يقول حسن شرف الدين الذي أشرف على العناية بها، بعد تعيينه بأمر من رئيس مصلحة الزراعة في الجنوب آنذاك المهندس عدنان الزين، بعد أن عينه ناطوراً عليها، فكان أن أنجز الأخير هذه المهمة على أكمل وجه بحسب قوله، وعمل على رعاية الشجيرات وسقايتها والسهر على العناية بها وحمايتها والمحافظة عليها من عبث العابثين، حتى أصبحت غابة خضراء جميلة باتت متعة للناظرين.
بعد نقل شرف الدين إلى وزارة الأشغال العامة في وقت لاحق، عُهد برعاية الغابة للمواطن نعيم درويش برّو، الذي استمر ناطوراً عليها حتى بداية الحرب في المنطقة بعيد منتصف السبعينيات، قبل أن تتحول إلى خط للتماس بين الأراضي المحتلة والمحررة، وتترك لمواجهة مصيرها ثلاثاً وعشرين سنة بالتمام والكمال، قبل استعادتها لجزء من رونقها الأخضر الجميل بفضل مبادرة البلدية التي أحيتها من جديد، وقبلها بفضل تحريرها من قبل المقاومة، وقد أطلقت بلدية كفرتبنيت عليها إسم “حديقة بوابة التحرير”، عربون وفاء وتقدير لجهود وتضحايات المقاومين.
* المصدر: Green Area
تعليقات: