يتجه لبنان الى تطوير العلاقات التبادلية مع قبرص. فبعد أكثر من 5 سنوات على عرقلة التصدير البري عبر سوريا باتجاه الدول العربية وتركيا، ومنها إلى أوروبا، كان لا بد للبنان من البحث عن طريق جديدة لكسر العزلة التي فرضتها الجغرافيا، فكان الإنفتاح نحو قبرص التي تشكل همزة وصل بين لبنان والدول الأوروبية، في ظل استمرار الخطر البري.
أولى مظاهر تطوير العلاقات كانت تأسيس مجلس الأعمال اللبناني– القبرصي، في 2016، لتطوير العلاقات التي كانت تستفيد منها قبرص بشكل أكبر، على المستوى السياحي. لكن المستثمرين اللبنانيين في مختلف القطاعات يتطلعون إلى زيادة العلاقات باتجاهين، من قبرص إلى لبنان وبالعكس، وليس باتجاه سياحي واحد، من لبنان إلى قبرص. وهذه الزيادة، يجب أن تستتبع زيادة حجم التبادل التجاري الذي لا يتعدى اليوم 40 مليون دولار سنوياً، رغم وجود فروع لـ12 مصرفاً لبنانياً في قبرص، وعدد من الشركات والمستثمرين في المجال العقاري.
تفعيل العلاقات التبادلية شكل محور لقاء الرئيسين اللبناني ميشال عون والقبرصي نيكوس انستاسيادس، الإثنين 12 حزيران، في بعبدا. فقد أكد الرئيس اللبناني على "ضرورة تحرير شروط دخول المنتجات الزراعية والصناعية اللبنانية إلى الأسواق القبرصية"، ما يساعد المنتجات اللبنانية على إيجاد أسواق تصريف إضافية تبعد عنها شبح الكساد وإغراق الأسواق اللبنانية بالبضائع الداخلة إليه تحت ستار الإتفاقيات التجارية، وأبرزها إتفاقية التيسير العربية. والتحرير الذي سلط عليه عون الضوء، يتقاطع مع أهمية التعاون في مجال الطاقة، خصوصاً أن لبنان مقبل على الإستفادة من مخزونه من النفط والغاز.
التطلعات اللبنانية قابلتها إيجابية قبرصية، إذ أشار الرئيس القبرصي إلى أن بلاده "ستواصل مساعدة لبنان على رفع التحديات التي يواجهها على المستوى الثنائي، ومن خلال قنوات الاتحاد الأوروبي". وهذه القنوات هي بالتحديد ما تحتاج إليه القطاعات اللبنانية، وفق ما يؤكده رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير، الذي يلفت في حديث لـ"المدن" إلى أن "البضائع الصناعية تواجه مشكلات أقل من البضائع الزراعية في دخول الأسواق القبرصية ومنها إلى الأسواق الأوروبية. فالبضائع الزراعية تعاني من القيود المتعلقة بالمواصفات الأوروبية".
ويعلق شقير أهمية على تطوير العلاقات التبادلية، لجهة إستفادة لبنان من نحو 4 الى 5 ملايين سائح يأتون إلى قبرص سنوياً، وهؤلاء يمكن الإستفادة منهم من خلال تحويل وجهة بعضهم إلى لبنان، في حال تطورت سبل العلاقات التبادلية.
وأزمة مواصفات البضائع الزراعية، لم تجد حتى الساعة ما يحلّها، مع أن وزير الزراعة غازي زعيتر يؤكد لـ"المدن"، التأثير الإيجابي لتطوير العلاقات اللبنانية القبرصية، على مستوى الإنتاج الزراعي اللبناني. ويكتفي زعيتر بالإعلان عن إلتزام الزراعات اللبنانية بالمواصفات الأوروبية.
الحاجة اللبنانية والإيجابية القبرصية لم تُترجَما حتى الآن بخطوات إجرائية، لكن هذا ما تتطلع إليه غرفة بيروت وجبل لبنان التي ستستضيف الوفد القبرصي يوم الأربعاء، للتباحث في الخطوات العملية لتطوير العلاقات. لكن مصادر اقتصادية تشير في حديث لـ"المدن" إلى أن مثل هذه الاجراءات "لن تتحول إلى حقيقة في المستقبل القريب، لأن المسألة تحتاج إلى دراسة معمقة من الجانب القبرصي الذي يُعتبر سوقاً أوروبية بالنسبة إلى لبنان، خصوصاً أن قبرص مرشحة في أي وقت لدخول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفكر فيه القبارصة والأوروبيون عند أي إتفاقيات تعاون".
وتشدد المصادر على أن لبنان "لن يستفيد من التقارب مع قبرص، ما لم يغير سياساته الداخلية التي يدير بها قطاعاته الإنتاجية، ويعطي أهمية للقطاعين الزراعي والصناعي. أما التركيز على قطاع الخدمات والعقارات، فلن يغير شيئاً، لأن أبسط هزة إقتصادية في أوروبا، ستؤثر على الاستثمارات العقارية والمصرفية اللبنانية في قبرص، فيما لو نشطت العلاقات اللبنانية القبرصية بالإرتكاز على المصارف والعقارات".
* المصدر: المدن
تعليقات: