خلط الطحين التركي مع اللبناني.. لماذا؟


عندما خطا لبنان خطواته الأولى في طريق العولمة التجارية كانت مجرد محاولة لترسيخ موقعه على الخريطة التجارية العالمية، ولم تكن بالحسبان استباحة الأسواق اللبنانية وانتهاك أصول التبادل التجاري والمنافسة المشروعة فيها.

فتشريع أبواب الأسواق اللبنانية أمام المنتجات الأجنبية، في مقابل إقفال كثير من الأبواب الأجنبية في وجه المنتجات اللبنانية جعل انخراط لبنان في دوامة التجارة الحرة كمن خطا خطوة ناقصة لا بد من تصويبها بأي ثمن.

وفي سياق بعض المحاولات لتصويب المسار التجاري تحاول وزارتا الصناعة والإقتصاد اللبنانيتان الإستحصال على مرسوم حكومي يجيز فرض رسوم نوعية على استيراد منتجات عديدة تعرّض نظيرتها اللبنانية للخطر، ومنها الطحين، فما هي الأزمة "الوجودية" التي تعانيها المطاحن اللبنانية؟ وأي من الدول المصدّرة للطحين الأكثر خطراً على السوق اللبنانية؟

لطالما استورد لبنان مادة الطحين من دول أجنبية عدة، لكنه لم يتعرّض يوماً لمنافسة كتلك التي يتعرّض لها اليوم من تركيا، يقول نقيب أصحاب المطاحن في لبنان، ارسلان سنو، في حديث إلى "المدن". ففي حين ينتج لبنان نحو 360 ألف طن من الطحين سنوياَ ويستهلك ما لا يزيد عن ألف طن يومياً، يستورد من تركيا عشرات الآلاف من الأطنان سنوياً وترتفع الكميات المستوردة بشكل سنوي، حتى أن أنها تجاوزت 40 ألف طن من الطحين التركي عام 2016.

وفي حين استورد لبنان من تركيا عام 2014 نحو 12 ألف طن من الطحين، استورد عام 2015 نحو 14500 طن، وارتفعت الكميات إلى 40 ألف طن عام 2016. أما في العام 2017 فتم استيراد قرابة 7 آلاف طن من الطحين التركي خلال شهرين فقط (كانون الثاني وشباط).

الطحين التركي المستورد يأخذ مكان منافسه الوطني في الأسواق اللبنانية، لا بل يشكّل فائضاً، من دون أدنى قدرة للإنتاج المحلي على المنافسة. والسبب فارق الأسعار بين المنتجين. فسعر طن الطحين اللبناني يرتفع عن الطحين التركي بأكثر من 20%. ويبلغ سعر طن الطحين اللبناني نحو 500 ألف ليرة. ما يعني أن الفارق بين السعرين نحو 100 ألف ليرة عن كل طن. وهو مبلغ كفيل بضرب سوق الطحين اللبناني وبتعريض المطاحن الـ12 العاملة في لبنان ومئات الآلاف من العاملين فيها للخطر، في حال استمر الإستيراد من تركيا من دون ضوابط.

ويعود الفارق الكبير بين السعرين إلى تلقي الطحين التركي دعماً كبيراً من الحكومة التركية، إن لجهة أسعار الطاقة المنخفضة أو التسهيلات لاستثمار الأراضي الزراعية، أو لجهة فرض رسوم وضرائب تصل إلى نحو 100% على القمح والطحين الأجنبي المستورد (إلى تركيا) لحماية أسواقها. في مقابل عدم تلقي المنتج اللبناني أي حماية، ما يجعله أكثر عرضة لمنافسة غير متكافئة.

ويكاد يكون الأمر الأكثر سوءاً هو التفاف التجار اللبنانيين وكبرى المخابز على معيار جودة الطحين في سبيل تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. وذلك من طريق خلط الطحين التركي (بنسبة 70%) مع الطحين اللبناني (30%) بهدف تلبية معايير الجودة اللبناني.

فالطحين التركي وفق سنو، لا يخالف معايير السلامة العامة ولكن مواصفاته لا تضاهي جودة الطحين اللبناني. ما يدفع التجار إلى خلطة للتمكن من تسويقه بطريقة طبيعية وبالأسعار ذاتها التي يباع بها الطحين اللبناني الخالص. بالتالي، تحقيق أرباح أكبر من تلك التي يحققها الطحين اللبناني.

وفي حين يبدأ الحل لأزمة الطحين بفرض رسم نوعي على استيراده من تركيا أو أي بلد آخر، وفق حديث وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ"المدن"، بهدف إحداث شبه توازن بين أسعار المستورد والمحلي "ما يؤدي إلى حماية الإنتاج المحلي ومده بالقدرة على المنافسة"، يرى سنو أنه لا بد من اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل مع تركيا.

ويذهب سنو أبعد من فرض رسم جمركي، إذ يطالب بفرض شروط على الطحين التركي كتلك التي تفرض على الإنتاج اللبناني، لاسيما لجهة الإخضاع لشروط وزارات الزراعة والصحة والاقتصاد، المتعلّقة بسلامة الانتاج والتخزين وغيرها. وكل ذلك بهدف تكافؤ المنافسة وليس الإطاحة بسوق الطحين اللبناني على حساب التركي.

* المصدر: المدن

تعليقات: