خلال ندوة أقيمت لمناسبة يوم القدس العالمي، وجّه مروان عبد العال، مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، التّحية لأبطال الجبهة الشعبية الذين نفّذوا عملية (وعد البراق) قبل أيام، التي أدّت إلى مقتل شرطية إسرائيلية واستشهاد منفّذي العملية.
وفي حديث له اعتبر أن عملية " وعد البراق" أتت لتؤكد على فلسطينية وعروبة القدس، وأن خيار المقاومة ما زال الخيار الصحيح لإفشال المشروع الصهيوني المستهدف للقدس ولكلّ فلسطين.
كما أشار عبد العال خلال حديثه إلى أن هناك انقلابًا حقيقيًا في المفاهيم المتعلقة بالتوازنات أو العلاقات الدولية، ومنها أن الحرب لم تعد تعني الوسيلة الأفضل لتحقيق هدف سياسي معيّن؛ فالاستراتيجيات الجديدة اليوم تعتبر أن هناك حروبًا جديدة من نوع آخر، حيث باتت تستطيع تحقيق أهداف الحرب الناعمة من دون حرب مباشرة، كما أن الحرب التي تحصل بين دولتين أو أكثر، بتحريك من دولة ثالثة صارت الخيار المفضّل، لتحقيق أهداف هذه الدولة التي تسعى لاصطناع عدو وهمي يسرّع في اندلاع الحرب بين الدول المستهدفة من تلك الدولة أو القوّة العظمى، التي ستتمكن في النهاية من استثمار نتائج الحرب على المستويات كافة.
كما أشار عبدالعال إلى أنه من المتغيرات أيضاً تزعزع مفهوم السيادة أو تراجعه بشكل خطير، بحيث بات وجود قاعدة (أو أكثر) عسكرية تابعة لدولة أمبريالية كبرى في هذا البلدان النفطية أمرًا عاديًّا، ويفهم منه أنه لا ينتهك سيادة هذه الدولة، طالما أن هذه القاعدة تحظى برضا الدولة المعنيّة، أو بطلبٍ منها، مثل حالات قطر والسعودية والبحرين وغيرها.
وهذا الواقع فيه تبرير صلف لاستعمار مقنّع لهذا البلد أو تلك الدولة، بما فيه من تداعيات سلبية على سيادية البلد المقصود، وحريّة شعبه، وصنع قراراته السياسية والاقتصادية وغيرها.
والخطير هنا أننا بدأنا نتعوّد على تجاهل أغلب الأنظمة العربية القائمة لقضية فلسطين التي كانت جوهر الصراع العربي ـ الصهيوني، لتتراجع اليوم إلى أدنى سلّم أولويّات هذه الأنظمة إن لم نتحدث عن تواطؤ بعضها، لتصفية هذه القضية والتخلّص من أعبائها السياسية والمادية.
وأضاف عبد العال: إنه من المؤسف أنه بموازاة هذا الواقع العربي المتداعي، تتفاقم داخل فلسطين الأزمات الداخلية بين مكوّنات شعبنا السياسية والحزبية والأهلية، مقابل تصعيد كيان الاحتلال في ممارساته الإستيطانية والقمعية على امتداد مساحة الوطن المحتل.
ولفت عبد العال إلى أن الاعتراف السياسي بدولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة سيظل مبتورًا من دون التأكيد أن فلسطين لا تزال دولة تحت الاحتلال، ولأنها كذلك فالمقاومة مشروعة وحق لشعبها، مشيرًا إلى الاعتراف الأممي بمنظمة التحرير في السبعينات بشخص الرئيس الراحل أبي عمّار الذي دخلها وكان يحمل مسدّساً في حينه، بحيث فُسّر الاعتراف المذكور بأنه اعتراف بمشروعية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.
كما دعا عبد العال إلى بلورة استراتيجيات فلسطينية وعربية تستند للمعطيات الجديدة، و لمواجهة المتغيرات المذكورة، مؤكداً رفض الجبهة الشعبية للوائح الإرهاب (الخليجية) التي وصمت حركات المقاومة الشريفة في لبنان وفلسطين بالإرهاب، في انسياق واضح للرغبات الأميركية ـ الصهيونية كما أكّد أنّه لا حلّ لقضية الإرهاب والتطرّف في المنطقة من دون حلّ عادل ونهائي للقضية الفلسطينية، على عكس ما تحاول إدارة دونالد ترامب تسويقه، بالتواطؤ مع حلفائها الصهاينة وبعض الحكّام العرب، بأنه لا يمكن إنجاز حلول نهائية في فلسطين قبل إقامة تطبيع أمني وعسكري وسياسي واقتصادي وأحلاف تقوم بحروب لاستئصال المقاومة وما تسميها الحركات الإرهابية في المنطقة، علماً أن محاربة التطرف والإرهاب تبدأ بالتوقف عن صناعته.
وتابع عبد العال: من المثير للسخرية أن الكيان الإسرائيلي الذي كان يرفض التفاوض مع وفد عربي كما كان مطلب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد آنذاك وما بعدها، يروّج اليوم للمقولة الزائفة بأن التطبيع العربي الشامل مع الكيان هو شرط أساسي للتقدم في مسيرة التسوية مع الفلسطينيين؛ وهذا الزعم تلقّى دعمًا أميركيًّا مباشرًا في عهد ترامب، ومن بعض القادة العرب حتى، وبما يعني إسقاطًا لأوراق القوّة في مواجهة الكيان قبل بدء التفاوض (المفترض) معه مستقبلاً، وفي النتيجة، فإن «إسرائيل» ستكون المستفيدة الوحيدة في هذا الإطار، لأن العرب ليس لديهم مطالب حقيقية من كيان الاحتلال، أو أنهم سيظلّون عاجزين عن فرض تحقيقها على أيّ حال، فيما سيقف المفاوض الفلسطيني عاجزًا أكثر من أيّ وقت مضى، في ظلّ الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، ولن يستطيع الحصول حتى على الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في الأرض والمقدّسات والموارد والسيادة الوطنية، وكل ما تزخر به أرض فلسطين الغالية.
وأشار عبد العال إلى أن «إسرائيل» شجّعت منذ البداية الانقسام الفلسطيني الحاصل، لأنه النقيض للكيان الفلسطيني الواحد ولهدف الدولة الفلسطينية المستقلة، ولإجهاض وترويض المقاومة، ومن يشجع الانقسام بإجراءات متواصلة كل يوم، يعمل كذلك على إفشال المصالحة ليبرهن أننا لم نعد جديرين بالحرية ولا قادرين على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لذلك هي لا تمانع في إقامة دولة «حمساوية» في غزة بشرط أن تكون خارج المشروع الوطني الفلسطيني ومن دون مقاومة، مقابل شبه دولة «فتحاوية» في الضفة منزوعة السيادة ومقيدة وتابعة وبوظيفة أمنية معروفة، وحتى في «أريحا» إن استطاع، لأنها ستكون مجرّد كيانات هزيلة ومتنازعة، ولا تملك من أمرها شيئًا أمام الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على الأرض والمقدّسات، وفي حال رضخ الفلسطينيون للضغوط، فإن «إسرائيل» ستفرض عليهم في أيّ تفاوض لاحق اتفاقًا أسوأ من اتفاق أوسلو، فالحل الإقيليمي هو تصفية بالجملة لقضايا الحل النهائي، وعلى أساس الاختلال الخطير في موازين القوى الراهن، واستمرار الانقسام الفلسطيني الذي يترسخ يومًا بعد يوم.
ودعا عبد العال لإحياء المشروع الفلسطيني الوطني المقاوم، بمختلف أبعاده، وتوحيد الجهود والطاقات كافّة، والترفّع عن الأنانيات الحزبية أو الشخصية، لأن الوطن أكبر من السلطة ومن الفصائل، وأن لا نقدم من حقوقنا ثمنًا لبقاء المنافع الشخصية، أو التعامل بدونية العاجز والمستجدي والمثير للشفقة. لأن حرية شعبنا والحقوق الوطنية المسلوبة لا تمنح بل تنتزع، وما أخذ بالقوة لا يسترد بالتطبيع، بل بالقوة، والمقاومة قدر شعبنا ورمز العنفوان الوطني والكرامة العربية. وفي نهاية حديثه أبدى عبد العال تفاؤله بأن الحقيقة الفلسطينية ستنتصر على الزيف الصهيوني في النهاية.
تعليقات: