موقف باسيل او تعجيله في طلب تعديل القانون فور ولادته كان مفاجئا
ما ان صدر القانون الانتخابي الجديد في الجريدة الرسمية حتى سارع جبران باسيل الى المناداة بادخال "سلة تعديلات" عليه لتضمّنه ما وصفها جملة اخطاء يجب تصحيحها.
لم يسبق أحد باسيل الى طرح تعديل قانون لم يجف حبر اقراره في المجلس النيابي وقبل ان يُجرَّب ويدخل حيز التنفيذ، الا انه عاد بالأمس وعدّل موقفه هذا، وقال انه ملتزم بهذا القانون لـ"دورة واحدة" فقط، وأجّل سلة التعديلات التي نادى بها لتنظيف القانون من الشوائب والاخطاء التي تحدث عنها، الى ما بعد اجراء الانتخابات النيابية على اساس هذا القانون في ايار من العام المقبل، ليسري هذا التعديل في الانتخابات التي تليها في ربيع العام 2022 اي بعد 5 سنوات.
موقف باسيل او تعجيله في طلب تعديل القانون فور ولادته كان مفاجئا، لا بل محلّ استغرب كلّ الوسط السياسي، حتى ضمن تياره السياسي، ذلك ان القانون لم يطبّق بعد ليعرف خيره من شرّه وليعرف ايضا مكمن الخلل الحقيقي فيه وما اذا كانت تعتريه اخطاء ام لا.
وكذلك كان حال موقفه الجديد بالالتزام بالقانون الانتخابي لدورة واحدة، اذ جاء مفاجئا ايضا للوسط السياسي، ليس فقط لتراجعه عن مطلب نظّر له بعد اقرار القانون، بل للقفزة الزمنيّة النوعيّة التي قفزها في مرحلة التراجع ، والتي تمتد لخمس سنوات؟!
بالتأكيد ان لباسيل اسبابه التي اوجبت عليه تظهير موقفه الاول بالمناداة بسلة التعديلات الفورية، وقد تكون بالفعل الاخطاء التي تحدث عنها وقال انها موجودة في متن القانون واحدا من تلك الاسباب. ولكن قد تكون من تلك الاسباب ايضا، الحسابات والاحصاءات والدراسات التي اجريت حول النتائج المفترضة للانتخابات التي ستجري على اساس هذا القانون وحول حجم وعدد المقاعد التي سيحصدها التيار الوطني الحر في تلك الانتخابات اذ قد لا تكون بالحجم والعدد التي تمّ تقديره خلال مراحل اعداد القانون.
وبالتأكيد ايضا، ان ثمة امرا ما دفع باسيل الى التسليم بالامر الواقع والتراجع عن مطلب التعديل الفوري، فليس مستغربا او مستبعدا هنا إن كانت خلف هذا التراجع "ارادة رئاسية" نصحت بعدم التسرّع وصرف النطر عن هذا التوجه التعديلي التعجيلي، الذي لن يكون منه طائل، كما ليس مستغربا او مستبعدا إن كان دافع باسيل الى التراجع هو اصطدامه بحقيقة انه غرّد وحيدًا في هذا الاتجاه التعديلي ولم يكن له نصير حتى من أقرب الحلفاء؛ القدامى او الجدد على حد سواء، وليس مستغربا او مستبعدا ابدا إن كان مرد هذا التراجع هو تسليم باسيل بالعجز عن تمرير مثل سلة التعديلات، وباستحالة اختراق الجدار السياسي القائل بان امكانية هذا التعديل منعدمة، وان التفكير بالمسّ بفقرات جوهرية وحتى بفقرات غير جوهرية في متن القانون الانتخابي، هو نوع من احلام اليقظة التي تجاوزتها الوقائع التي صارت ثابتة.
على ان هذا التراجع الذي لم يقدم له باسيل تفسيرا واضحا، اقترن بمنطق لا يبدو انه غادر مرحلة ما قبل الوصول الى القانون الانتخابي بكل ما اعتراها من التباسات وتباينات واشتباكات اذ بدا هذا المنطق وكأنه ما زال خلف المتراس ويرشق الحجارة في اتجاهات مختلفة. بما يعكس بشكل واضح الاستمرار في سياسة "الجبهات المفتوحة" مع قوى سياسية معيّنة. والاكيد هنا ان "اللبيب السياسي" من الاشارة يفهم.
وثمة ماذج عديدة عن هذا الرشق المتجدد بالحجارة، التي دحرجها هذا المنطق خلال الاسبوع الاخير:
- الاول، مصادرة أبوّة القانون الانتخابي وتجييره فقط لمن سماهم باسيل "الاصدقاء والحلفاء في "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية، اذ لولا هؤلاء لما كان وجود للقانون، وطبعا بالشراكة معه. مغيّبا بذلك، عن قصد او عن غير قصد، دور قوى سياسية أخرى كان لها الجهد الأساس في وضع القانون بدوائره الـ 15 مع النسبية على سكة الولادة. هنا يمكن الاستعانة بالنائب جورج عدوان ليروي القصة الحقيقية لولادة القانون ، وما هو دور الرئيس نبيه بري في استحضار هذا القانون من غياهب الرفض والنسيان، وماذا دار بين بري وعدوان في ذلك اللقاء الشهيرالذي عقد بينهما في عين التينة. ومن قال لمن ما مفاده: "انا ابلغك موافقتي على هذا القانون، فاذهب وسوقه مع التيار"، ومن قال لمن ما مفاده: " اعتقد يا دولة الرئيس ان المشكلة قد حُلَّت".
- الثاني، التصريح علنًا عن الهدف الحقيقي للتيار الوطني الحر بقيادة باسيل، بقيادة الدولة بكلّ سلطاتها ومؤسساتها، عبر تحقيق اكثرية نيابية عنوانها "نحن البديل"، تدير الدولة في المجلس النيابي والحكومة طبعا وفق النهج الذي يريده باسيل. وهذا يعني ان كل القوى الاخرى تصبح بلا اي معنى وفي موقع المهمّش او الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة وحتى لا حضور.
- الثالث، الاعلان المبكر عن النية بتأليف لوائح "اوادم"، وترشيح التيار لشخصيات من كل الطوائف. هذا حق للتيار لا ينازعه فيه احد، لكنه هنا يحلل لنفسه ما حرمّه على الآخرين، فللتذكير فقط ان هذا الاعلان لا ينسجم مع بعض الشعارات والمواقف التي قيلت في فترة الاعداد لقانون الانتخاب ، وابرزها الموقف الشهير لرئيس الجمهورية مبشال عون الذي قال ما حرفيته " الازمة تكمن في ان كل واحد يريد ان يسحق الاقلية الموجودة في طائفته، ويمد يده على جيب الاخر كي يشلّحه عددا من المقاعد".
الرابع، محاولة قلب الوقائع حول بعض التفاصيل، ولاسيما منها الصوت التفضيلي بالقول "ان الصوت التفضيلي هو الافضل لباسيل على مستوى الدائرة وليس على مستوى القضاء". مع ان الاجتماعات العديدة التي عقدت في مرحلة اعداد القانون، عكست تأييد "حزب الله" وحركة "امل" و"القوات اللبنانية" للصوت التفضيلي على مستوى الدائرة، والتيار من خلال باسيل كان معارضا بشدة لهذا الامر.
- الخامس،، التحديد المبكر للجبهة السياسية التي ستخوض الانتخابات معًا عبر مربّع؛ التيار الوطني الحر و"تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" و"حزب الله". وبصرف النظر عما اذا كان هذا التحديد المبكر منسّقًا مسبقًا مع القوى المذكورة، إلا أنّ هذا التحديد معناه الطبيعي أنّ كل من هم خارج هذه الجبهة هم في جبهة الخصوم.
هنا تحضر الاسئلة التالية:
- اي رسالة يبعث بها باسيل الى الواقع السياسي، الذي يمر حاليا في مرحلة انتقالية عمرها 11 شهرا حتى موعد الانتخابات؟
- هل هي رسالة تبريدية؟
- هل هي رسالة تصب الزيت على نار الخلافات؟
- هل تنطوي هذه الرسالة على محاولة تشويش على الايجابيات الكبرى التي فرضت نفسها ان في "التفاهم الرئاسي" الذي كان بمثابة القابلة القانونية لتوليد القانون الانتخابي، واعاد مدّ جسور الودّ بين الرئاسات وعلى وجه الخصوص بين الرئاستين الاولى والثانية؟ والتي – اي الايجابيات - تأتت ايضا من اجتماع رؤساء الاحزاب في القصر الجمهوري وما افرزه من تفاهم على انطلاقة سياسية حكومية مجلسية منتجة؟
ثمة آمال علقت على امكان تبريد الجبهات السياسية خلال المرحلة الانتقالية الحالية بما قد يساهم في معالجة بعض الملفات الحيوية والاساسية التي تتطلب توافقا سياسيا بالدرجة الاولى، ولكن مع استمرار سياسة "رشق الحجارة" هناك خشية حقيقة من ان تنحى الامور في اتجاه آخر.. وفي كل الاحوال فلننتظر ما ستحمله الايام المقبلة.
تعليقات: