كما في كل صيف، لم تسلم الحقول الجنوبية من الحرائق المفتعلة وغير المفتعلة، التي أدت إلى خسائر بيئية كبيرة، كان آخرها يوم أمس، عندما شب حريق كبير قرب الحدود مع فلسطين المحتلّة، في ميس الجبل، ما أدى إلى إنفجار سبعة ألغام، زرعها العدو “الإسرائيلي”، ساهمت في إنتشار الحريق وتوسعه.
وبحسب رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير، فإن “الحريق لم يكن مفتعلاً، بل نجم عن إرتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق”.
لافتاً إلى أن “الحرائق أدت إلى خسائر في المزروعات، كون الأراضي المحروقة مستخدمة من قبل الأهالي لزراعة الزيتون والقمح والتبغ”. وقد عمد عناصر الدفاع المدني على إخماد الحرائق حتى ساعات متأخرة من الليل.
ويشكو أبناء الجنوب من عدم قيام الأجهزة المعنية بما يلزم، لمكافحة الحرائق ومعاقبة المعتدين على الثروة الحرجية. ويذكرون العديد من الحوادث التي تؤكد هذه الإعتداءات.
فقبل أشهر عدة وفي وضح النهار “على عينك يا تاجر”، قطع م. (55 سنة) أشجار الصنوبر المعمرة، المزروعة على الشارع العام في إحدى قرى بنت جبيل “بهدف إزالة هذه الأشجار من أمام محلاّته التجارية الجديدة، كونها قد تعيق نشاطه التجاري”.
لم تصل إلى المكان القوى الأمنية ولا حتى مأموري الأحراج، الذين نشطوا في المنطقة، قبل عامين ومنعوا قطع بعض الأشجار؛ ونظموا محاضر ضبط بحق بعض صغار المعتدين. يقول أحد أبناء المنطقة “عمر أشجار الصنوبر المقطوعة، يزيد على خمسين سنة.
ولم يؤدّ قطعها إلى أي إعتراض من الأهالي، على إعتبار أن بعضهم يعمد إلى قطع أشجاره، بداعي البناء أو التدفئة، أو لأسباب أخرى، من دون رقيب أو حسيب”.
على طريق فرعية جديدة، بين بلدتي ميس الجبل وشقرا، “عمد مجهولون إلى قطع جذوع بعض أشجار السنديان والبطم، التي يزيد عمرها عن مائتي سنة، في مكان كان حتى الأمس القريب، بعيداً عن الأهالي، لا يقصده الاّ المتنزهون، الذين يفضلون الإبتعاد عن الأماكن المكتظة.
ويجدون ملاذهم هذا، في فيء هذه الأشجار الكبيرة الجميلة”. يقول أحمد ديب (65 سنة)، لافتاً إلى أنه “قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان مأمور أحراج واحد، يمنع كل الإعتداءات على أشجار وأحراج المنطقة”.
ويذكّر بـ “شرطي بلدة ياطر الجنوبية، الذي كانت مهمته، قبل أكثر من 40 سنة، حراسة أحراج المنطقة، عندما كان الإهتمام بالبيئة يوازي الإهتمام بالوضع الأمني. فكان يمنع أي إعتداء على الأشجار ويعاقب المخالفين”. ويتحسر على “الأحراج التي كانت تملأ المنطقة ولم تعد موجودة اليوم”.
في بلدة رميش ( بنت جبيل)، يوجد اليوم مركز لمأموري الأحراج، “لا يستطيع عناصره الأربعة، تغطية المخالفات الكثيرة المنتشرة، في أكثر من 36 قرية وبلدة، تخضع أشجارها لرقابة عناصر المركز”. لكن يبدو أن “قلّة عدد مأموري الأحراج ليست السبب الوحيد في عدم قمع الإعتداءات”، إذ يعود السبب الرئيسي إلى “كثرة المحسوبيات وعدم قدرة العناصر على قمع الإعتداءات، أو حتى ضبط المخالفات، التي عند ضبط بعضها، تتدخل الوساطات، كالعادة، لمنع دفع الغرامات، باستثناء المخالفات التي يرتكبها أشخاص لا يحظون بالدعم الكافي”.
اللاّفت أن محمية الحجير الحرجية الكبيرة، لم تؤمن لها عناصر أمنية رسمية لحراسة أشجارها.
وقد عمد إتحاد بلديات جبل عامل إلى تأمين عنصرين مدنيين يتناوبان على حراستها، لكنهما، بحسب رئيس الإتحاد علي الزين “غير كافيين على الإطلاق، بسبب إتساع حجم المحمية وكثافة أشجارها”.
ويذكر أحد أبناء بنت جبيل، بأن “إمرأة عجوزاً عوقبت بضبط تبلغ قيمته 750 ألف ليرة، بعد أن طلبت من أحد أبناء البلدة، قطع شجرة لوز تقع داخل أرضها.
في حين لم توقع مخالفة بحق أحد أصحاب القصور الجميلة، عندما عمد إلى قطع أشجار حرجية معمّرة، موجودة في منزل جاره، بحجّة أنها تمنع الشمس والهواء عن غرف قصره، رغم أن صاحب المنزل تقدم بشكوى إلى مركز حماية الأحراج في المنطقة، مرفقة بصور تبين نوع الاعتداء وحجمه”.
وتقول زينب مقشر (بيت ياحون) أن “مأموري الأحراج منعوها من قطع شجرة سنديان، في أرض لها قرب منزلها. وهم حتى الآن، لم يمنعوا شخصاً نافذاً ومعروفاً، من قطع عشرات، أو مئات أشجار السنديان، في أجمل مكان في البلدة”.
قرب قلعة دوبيه الصليبية، توجد أشجار بطم معمّرة “عمرها حتماً أكبرعمر من وزارتي البيئة والزراعة. لكن إعتداءات المواطنين عليها، تهدّد ما تبقّى منها باليباس والإحتراق”.
هذه الأشجار التي يعرفها أبناء منطقتي مرجعيون وبنت جبيل جيداً، لأنهم يقصدونها في أوقات الربيع والصيف، “باتت تستخدم مواقد للحطب”، لا بلّ أن “جذوعها حرقت وبقي منها القليل. وهي مهددة بالسقوط”.
يقول معن محمود، مبيناً أنه يحاول المحافظة على ما تبقّى من هذه الأشجار. ويضيف: أدفع ما تيسّر من راتبي التقاعدي لأجل هذا الهدف.
لقد شوهوا هذه الأمكنة ولا يعيرون أي إهتمام لهذه الأشجار المعمّرة، التي يرتبط تاريخها بتاريخ لبنان”.
ورغم أن ثمن المازوت إنخفض كثيراً في السنتين الماضيتين، فإن عدد المعتدين على الأشجار لم يتناقص، كما يبدو، “كون المعتدين لا يجدون في قطع الأشجار، بهدف التدفئة، صعوبة أو عناء يذكر”. لكن من جهة أخرى، يعمل عدد من فقراء المنطقة على إعادة تصنيع جفت الزيتون، سيما في قرى مرجعيون، التي تكثر فيها أشجار الزيتون، بهدف إستخدامه للتدفئة بدل الحطب.
ويعمد المصنعون إلى بيع “الجفت” المصنّع بأسعار منخفضة. ويحققون بذلك أرباحاً مقبولة نسبياً، كما يشير بلال نسر، إبن بلدة القليعة (مرجعيون)، الذي يلفت إلى أن “الجفت سريع الإشتعال وأكثر فعالية من الحطب، لذلك، فإن الأهالي يواظبون على شرائه”. ويشير نسر إلى “ضرورة تشجيع صناعة الجفت كونها مفيدة للبيئة، تساهم في التخلص من فضلات الزيتون وتحدّ من قطع الأشجار، سيما في الجنوب اللبناني، الذي يعتبر من أكثر المناطق اللبنانية المزروعة بأشجار الزيتون”. يذكر أن أحد المواطنين عمد في الصيف الماضي، إلى جمع مئات الإطارات المطاطية المستعملة، في وادي قريب من المنطقة المذكورة، ثم عمد إلى إحراقها، ما أدى إلى إنتشار الدخان الأسود بين المنازل والأحياء السكنية، في أكثر من بلدة وقرية.
كما إندلعت حرائق متعددة، أدت الى إحتراق أكثر من 400 شجرة مثمرة وحرجية، من دون أن تعمد القوى الأمنية إلى التحقيق في الموضوع.
* المصدر: GreenArea
تعليقات: