رحلة طويلة من العذاب انتصرت خلالها على الموت مرات عدة؛ قاومت، ناضلت وصبرت على فقدان ابنها بمرض السرطان قبل أن تصاب هي به وتنتصر عليه، لكن شاء القدر أن تسلم الروح بحادث صدم مركب سياحي أثناء ممارسة هوايتها في السباحة قرب ميناء البترون. هي رمزى ماتينوس التي رحلت في غفلة تاركة حسرة في قلب كل من عرفها.
اللقاء الأخير
مساء أمس قصدت رمزى (52 عاماً) كعادتها البحر. أنهت عملها وانطلقت لتلتقيه، بعدما اتخذته صديقاً، مثابرة على زيارته كل يوم، من دون أن تتوقع أنه اللقاء الأخير. رمت نفسها في أحضانه علّه يزيل عنها هموم حياة أوجعتها كثيراً، لكن في لحظة غادرة اصطدم مركب يملكه سليمان.ف. بها. "أتت الضربة على كليتيها، سارع سليمان إلى وضعها على القارب، اتصل بالصليب الأحمر، حيث انتظره عناصره على الشاطئ، نقلت رمزى إلى مستشفى البترون لكنها كانت سلمت الروح".
سليمان صديق العائلة، والحادث كما قال طوني قضاء وقدر. كانت رمزى تسبح وحدها، بعيداً من الصخور نحو 15 متراً، عندما حصل ما لم يكن بالحسبان. "لا نعلم إن كنا سنرفع دعوى، نريد معرفة كل التفاصيل، ولا سيما أن هناك أخباراً بأن ابن سليمان هو من كان يقود القارب".
رحلة عذاب
سلّم سليمان نفسه إلى مخفر البترون مباشرة، بعدما أُغلق كتاب حياة ابنة البترون، التي كتبت فصوله بحبر العذاب؛ فهي التي انفصلت عن زوجها قبل نحو 15 عاماً، كرّست نفسها لتربية ولديها، غدي وتوفيق. وبحسب ما شرح طوني "توفي توفيق قبل سنوات بمرض السرطان، دخلت رمزى في أتون حزن عميق أثّر على صحّتها إلى حد إصابتها بمرض السرطان في صدرها، قاومت من أجل ابنها البكر. أرادت أن تبقى إلى جانبه لتكون سنداً له، وبالفعل انتصرت على المرض قبل ست سنوات".
نائب رئيس بلدية البترون أنطوان طانيوس أكد لـ"النهار" أن البلدية تضع في كل سنة مع بداية فصل الصيف حاجزاً ظاهراً للعيان، لمنع دخول المراكب إلى المساحة المحددة للسباحة، لكن الحادث الذي حصل في الأمس كان خارج الحاجز على بعد أمتار عدة، بحيث ابتعدت الضحية عن الخط المحدد.
"مناضلة" على عدة جبهات
بالابتسامة كانت تواجه معلمة اللغة الإنكليزية وموظفة شركة الكهرباء، كل عثرة وضعت في طريقها، بل تطوعت لتزيل عثرات وضعت في طريق أطفال حكم عليهم باللجوء هرباً من الحروب. وبحسب ما قالته مديرة مدرسة جمعية فرح العطاء رومي درغام: "كانت معلمة في مدرسة كفرعبيدا، ومع ذلك تطوعت في مدرسة الجمعية للعام الدراسي 2015-2016. كانت تعلم اللاجئين السوريين قبل الظهر لغة أجنبية، وبعد الظهر تساعد الطلاب اللبنانيين في كل الموادّ". ولفتت "كانت ذات ثقافة عالية، متميزة باندفاعها واهتمامها وحضورها الجميل. كانت بمثابة الأم الحنون للتلاميذ والمعلمات، لا تفرق بين ولد وآخر، خلّاقة إلى أبعد الحدود. كان هدفها أن تكون جميلة بنظر ابنها، حاربت لتبقى قوية أمامه، كانت تقول سأعيش من أجل غدي وهو بالفعل غدي".
شروط القيادة والسباحة
ليس كل من أراد قيادة قارب يمكنه ذلك، فهناك شروط تُحدّدها، كما قال رئيس شعبة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى، وزارة النقل البري والبحري، و"هي تُخضع الراغبين بنيل إجازة سوق القوارب لدورات تدريبية في أكاديمية تابعة لها في البترون ويتم إعطاء الإجازات وفقاً لنتائج الامتحانات في ختام التدريب. أما الأماكن المخصصة للسباحة فينبغي أن تُحدّد بواسطة عوّامات ملونة للفت النظر إليها. وعلى السابح ألا يتجاوز هذه العوامات".
أسباب عدة خلف الحوادث
حصل قبل مدة قصيرة حادث تصادم بين قاربين في بحر صور، وفي الأمس صدمت رمزى، ما يطرح السؤال عن الأسباب التي قد تؤدي إلى حوادث القوارب. عن ذلك أجاب أبو موسى بأن أسباب حوادث القوارب تعود بالدرجة الأولى إلى عدم انتباه من يتولى سَوق القارب ودخوله إلى الأماكن المخصصة للذين يمارسون السباحة. كما أن ثمة حوادث أخرى تنجم عن اصطدام زورق بآخر نتيجة السرعة أو التهوّر في السَوق. ولفت "يجب على القارب أن يكون على مسافة بعيدة من الشاطئ، ليس هناك من نصّ قانوني يحدّد بدقّة هذه المسافة، ولكن ثمة عرف متّبع بشأن الدرّاجات المائية jet ski بأن تبقى على بعد 300 إلى 400 متر عن الشاطئ. أما البواخر الكبيرة فيجب أن تكون على مسافة عشرة اميال عن الشاطئ وفقاً للمعايير الدولية".
"للتقيّد بالإرشادات"
وعن كيفية تجنّب أخطار الحوادث قال "عبر الالتزام بمعايير السلامة العامّة بعدم السماح للزوارق بالاقتراب من الشاطئ ووضع إشارات عائمة تنبئ بوجود أشخاص في البحر والقيادة بحذر ومتابعة الإرشادات". وأضاف "إن المديرية العامّة للدفاع المدني توزّع دورياً منشورات للحدّ من المخاطر المحدقة بمن يرتادون الشواطئ خلال فصل الصيف، كما تذكّر بضرورة الاتصال بغرفة عملياتها على الرقم 125 للتبليغ عند وقوع أي طارئ، والتقيد بإرشادات السلامة العامة الموجودة على الصفحة الرئيسية على موقعها الإلكتروني الرسمي www.civildefense.gov.lb لا سيّما ما يتعلّق بالتوعية والاستعداد لموسم السباحة".
تعليقات: