«الجزيرة»
"لو علم نتنياهو أنه باغلاق مكتب «الجزيرة» سيزيدها شعبية لما فعل، لكن الغباء صنعُه".
قد تختصر هذه التغريدة لمراسلة "الجزيرة" في رام الله، شيرين أبو عاقلة، مشهد الإجماع الفلسطيني على القناة. فقد فجّر قرار وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، تنفيذاً لتعليمات رئيس حكومته بنيامين نيتنياهو، بالعمل على إغلاق مكاتب قناة "الجزيرة" في القدس والخط الأخضر، وتقييد عملها بحجة دعمها "الإرهاب"، تفاعلات لافتة وقياسية في مواقع التواصل الإجتماعي منذ اللحظة الأولى للإعلان عن القرار، فبرز هاشتاغ #متضامن_مع_الجزيرة، ليليه هاشتاغ #ضد_الاغلاق من حيث التداول، وبعدهما #اسرائيل_تغلق_قناة_الجزيرة في "فايسبوك" و"تويتر".
مصدر في مكتب "الجزيرة"-رام الله، كشف لـ"المدن" عن أن نحو 70 موظفاً هم مجموع العاملين في مكاتب الفضائية بالقسمين العربي والانجليزي في رام الله والقدس وغزة وداخل أراضي 48. وتميزت "الجزيرة" بمتابعاتها وتغطياتها للملف الفلسطيني منذ انتفاضة النفق العام 1996، مروراً بانتفاضة الأقصى العام 2000 وما رافقها من أحداث واجتياحات، وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله ومجزرة مخيم جنين، ومن ثم حروب غزة الثلاثة، والأحداث اللاحقة التي تشهدها الضفة الغربية بين الفينة والأخرى، وأحدثها أزمة المسجد الأقصى الأخيرة التي أظهرت تميزاً وحضوراً لهذه القناة بشكل استفز اسرائيل كثيراً.
وتسعى حكومة اليمين في اسرائيل إلى إسكات "الجزيرة" ولو على مراحل أربع؛ ابتداءً من سحب تراخيص عمل الصحافيين، مروراً بتعتيم البث، ثم وقف الترخيص الرسمي، وانتهاء بسَنّ قانون خاص لوقف البث.
لا ينظر الإسرائيليون إلى الفعل بوصفه انتصاراً. فقد سجلت مقالة الإعلامي الإسرائيلي الثمانيني المعروف، دان مرغليت، أكثر ما عبّر بقوة عما وصل إليه حال إسرائيل في ظل اليمين. وقال مرغليت أن إسرائيل أصيبت بالجنون والخرف بقرارها إغلاق "الجزيرة"، وتساءل: "هل الجزيرة عدو؟.. هل هي إرهابية؟.. لا، إذاً لماذا هذا القرار؟".
وتحذو النخب الأكاديمية والاستراتيجية في إسرائيل حذو مرغليت، في الخوف على مستقبل إسرائيل من "الفاشية" التي يُرسخها اليمين في الدولة العبرية ضمن مشروع يُعد نيتنياهو جزءاً منه، عنوانه "شيطنة اليسار والعرب في إسرائيل على أساس أنهم أعداء".
وامتعضت هذه النخب بشدة كون المطالبة بإغلاق "الجزيرة" كان على لسان الوزير أيوب قرا، ذلك أن هذه النخب تنظر إليه بأنه صاحب عقلية غير واعية ولا يقلقها الإضرار بإسرائيل نتيجة هذه القرارات غير المسؤولة، هذا إن علمنا أن أيوب قرا كان قد قال ذات مرة "إن الدروز الذين ينتمي إليهم أصلهم يهود"، فأثار حينها انتقاد أطياف إسرائيلية من مُنطلق ان هذا الكلام يُظهر "سطحيته".
وفي ما يتعلق بالأمور الإجرائية المُنتظرة بعد إعلان حكومة اليمين الإسرائيلي عزمها على إغلاق مكاتب "الجزيرة" وتقييد عملها، فإن مصادر مطلعة أفادت "المدن" بأن إسرائيل ستحاول ترجمة الموضوع في غضون أسبوعين، وذلك بعد إتمام خطوتين. الأولى: عبر مكتب الإعلام الحكومي التابع لرئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل إلغاء التراخيص الممنوحة لصحافيي "الجزيرة" ومكاتبها. والثانية تتمثل في الذهاب لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية للحصول على قرار يؤيد حكومة نتنياهو بهذا الخصوص.
بيدَ أن نتنياهو كتب في صفحته في "فايسبوك" قبل أسبوعين "أنه سيعمل على تغيير القانون الخاص بوسائل الإعلام خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، على هامش الدورة الشتوية للكنيست، لإعطاء الحكومة هامشاً أكبر للتصرف من دون إلغاء دور المحكمة العليا". ويعتبر مراقبون أن نتنيناهو قصد حينها "الجزيرة" وعدد من الصحف اليسارية الإسرائيلية.
ولعل اليمين الإسرائيلي شعر بالخشية على مستقبله جراء تغطية "الجزيرة" للحروب المتعاقبة على قطاع غزة، وبثها الحصري لخبر أسر حركة "حماس" للجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، إبان حرب 2014، إضافة إلى الأحداث الجارية في الضفة الغربية، كون ذلك يكشف ويعرّي فشل اليمين. وكانت أزمة الأقصى، الشعرة التي قسمت ظهر البعير، فاتُخذ القرار بإسكات "الجزيرة" في سياق وضع عربي يُسهل ذلك.
على الجانب العربي، وبينما صفّق بعض من رواد الإعلام الإجتماعي العرب لقرار اليمين الإسرائيلي بإغلاق "الجزيرة"، ارتباطاً بمواقف حكوماتهم ومرجعياتهم المُناهضة للقناة القطرية، عبرت تغريدات موضوعية كثيرة عن تضامنها مع المحطة في هذا الموقف، حتى تلك التي تختلف معها في بعض التغطيات، وذلك مِن مُنطلق أن "الجزيرة" منبر مهم يسلط الضوء على القضية الفلسطينية والملفات العربية التي يُراد لها أن تغيب عن شاشات ومنصات الإعلام العربي.
الفلسطينيون كانت لهم خصوصيتهم في هذا المجال. فما ميّز تغريداتهم المُذيلة بالهاشتاغات سالفة الذكر، أن الناشطين الفلسطينيين حتى لو انقسموا واختلفوا في كل شيء إلا يتفقون على الوقوف مع "الجزيرة" في وجه الإجراء الإسرائيلي كونه يأتي استكمالاً لإغلاقات سابقة لإذاعات فلسطينية محلية في الفترة السابقة تحت حجتي "التحريض" و"دعم الإرهاب"، بُغية إسكات ووقف ما تقوم به من رصد لممارسات الإحتلال في الأراضي الفلسطينية. وقد تفاعل الفلسطينيون من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم، مع التغطية التي أجرتها "الجزيرة" لأحداث المسجد الأقصى الأخيرة، إذ أجمعوا على أنها كانت مميزة بطواقمها ونقاط التواجد والتجهيزات اللازمة، كما يقول لـ"المدن" الناشط الفلسطيني علي خاطر.
ولعل ما كتبته المتحدثة باسم حملة استرداد جثامين الشهداء، سلوى حماد، في صفحتها في "فايسبوك"، يؤكد التناغم الفلسطيني في الوقوف إلى جانب "الجزيرة"، حتى وإن انتقد بعضهم سياساتها التحريرية في هذا الملف أو ذاك. فتقول حماد في تدوينتها إنها "تحب كل العاملين في مكتب الجزيرة بفلسطين الذين يتابعون بشكل مستمر ملف الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال". وتضيف أنهم "مهنيون في تغطياتهم الصحافية ورائعون على الصعيد الشخصي".
ثم تذيل حماد التدوينة بهاشتاغ #متضامن_مع_الجزيرة، وبعبارة "يلعن أبو الاحتلال".
من جهته، تساءل المدوّن والمتابع للشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان، في منشور في "فايسبوك": "هل يمكن لوزارة الإعلام الفلسطينية إصدار قرار رسمي بمنع دخول الصحافيين الإسرائيليين للضفة الغربية؟.. أم سيبقى كل من الصحافيين الإسرائيليين، حيزي سيمنتوف، وجال برغر، وغيرهما يعملان سداح مداح في مناطق السلطة الفلسطينية؟". ويرى أبو علان أن "أفضل تضامن يكمن في منع الصحافة الإسرائيلية من العمل في الضفة الغربية".
*المصدر: المدن
تعليقات: