لا تُـحلّ أزمة تلوث الليطاني بـ”همروجة” إعلامية، أو بحملات نظافة استعراضية والتقاط صور “السلفي”، ولا بمؤتمرات توظف في السياسة وزواريبها الضيقة وغرفها السوداء، على قاعدة التحاصص في المناقصات والتلزيمات التي لم تبدأ بعد، ويبدو أن هذه الأزمة غير بعيدة عن ملف الفساد، تماما كما أزمة النفايات وغيرها من أزمات وكوارث تهدد بيئتنا وصحتنا وكل مظاهر الحياة في بلد فقد سماته الطبيعية وخسر الكثير من مقوماته السياحية والاقتصادية.
منذ أثار موقعنا greenarea.me هذه القضية قبل أكثر من سنة مع فضيحة المرامل، والأزمة مستمرة، ويبدو أن خارطة النهر ونطاقه الجغرافي تتداخل فيه مصالح تيارات سياسية،
من النبع إلى المصب مرورا ببحيرة القرعون التي أعدمها التلوث، وباتت بؤرة للأمراض والأوبئة، وفي ما آلت إليه أوضاع النهر لجهة التسيب وترك هذه القضية دون معالجة، يتأكد لنا أنه مع إطلاق الصرخات بوجه المسؤولين، لا حياة، لا بل حياء لمن تنادي!
وفي هذا السياق، نتابع هذه الكارثة الفضيحة، لنقف على بعض فصولها المستمرة، تجاهلا وتقاعسا وإهمالا، والآتي أعظم.
عزالدين: مشكلة الصرف الصحي مستمرة
وفي هذا السياق، أشار رئيس بلدية زوطر الغربية (قضاء النبطية) حسن عزالدين لـ greenarea.me إلى أنه “اتخذ قرار بمنع فتح أي مرملة، لكن ابراهيم العرب استحصل على ترخيص، وقام بفتح مرملة لا تلوث النهر حاليا بشكل مباشر، لكن في الشتاء ومع هطول الامطار سيتغير الحال وستكون أضرارها مباشرة على النهر”.
وقال: “قامت البلديات، ولا سيما منها: القعقعية، زوطر الشرقية وزوطر الغربية بحملات نظافة تخللها رفع الطمي والوحول من النهر، ووضع صخور تساعد عل خلق موائل جديدة للاسماك، كما أننا نهتم في زوطر كبلدية بضفاف النهر، لجهة ترتيبها وتنظيفها وتهيئتها لاستقبال الاهالي بشكل عام”، ولفت إلى أن “نسبة الوحول أقل من السنة الماضية بكثير، لكن ما زالت مشكلة الصرف الصحي مستمرة”.
الاعتمادات المالية وفي المقابل، أشار عزالدين إلى أن ثمة “تقصيرا واضحا من الدولة والوزارات والقضاء، خصوصا واننا سلمنا دراسة الخبير الدكتور ناجي قديح (مستشار موقعنا greenarea.me) إلى المدعي العام البيئي ولم يتم التحرك إلى الآن”،
وقال: “حتى الحملة الوطنية لحظت ذلك خلال اجتماعاتها، وقبل رمضان اجتمعت اللجنة الوزارية وقررت شراء مولدات لتشغيل محطة زحلة وإلى الآن لم ينجز أي شيء، وكلنا يعلم أن تشغيل محطة التكرير في زحلة سيساهم في حل جزء كبير من تلوث الليطاني بقاعا، كما أن مجلس الإنماء والإعمار قدم دراسة لمحطتي سحمر ويحمر وسبع قرى في البقاع الغربي بقيمة 13 مليون دولار، وإلى اليوم لم تُجرَ مناقصة للبدء بالتفيذ، ونتساءل متى سيبدأ العمل؟ خصوصا وأن جميعنا يعلم ان التنفيذ مسؤولية مجلس الإنماء والإعمار، لذلك أرى أنه من المفترض ان يتم الضغط على الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار”.
وبالنسبة إلى الاعتمادات المالية، أشار عزالدين إلى أن “قسما منها متوفر”، وقال: “في آخر اجتماع مع وزير البيئة أوضح لنا ان الاعتمادات لتنظيف النفايات الصلبة على ضفاف الليطاني متوفرة ولم تستعمل منها أي مبالغ بعد، وأن الاعتمادات المخصصة لإقامة محطات صرف صحي متوفر منها حوالي 20 بالمئة”.
وأبدى عزالدين تساؤلا “حول مبلغ الـ 100 مليون دولار الذي صرف على الدراسات”، وقال: “نريد اجابة من مجلس الإنماء والإعمار والمعنين، وطلبنا من نواب الجنوب والبقاع في احد الاجتماعات مساءلة مجلس الإنماء والإعمار حول هذا الموضوع، قررنا زيارة الرؤساء الثلاثة لتحريك القضية، فزرنا فخامة رئيس الجمهورية ووضعناه أمام ما حصل، وشرحنا مخاطر استمرار هذا الوضع وانتشار الامراض، ووعدنا خيرا، وشرحنا له أن الموز والحمضيات في الساحل يتم ريها بمياه الصرف الصحي وكذلك مزروعات البقاع والخضار جنوبا، ووعدنا بطرح الموضوع في أول جلسات مجلس الوزراء، واآان سنزور دولة الرئيس نبيه بري لنفعل موضوع المساءلة في مجلس النواب، فقد مضت سنة ولم نخطُ خطوة إلى الامام، ومن ثم سنزور رئيس الحكومة، وإن لم يتم التجاوب ستعقد الحملة الوطنية لحماية حوض الليطاني مؤتمرا صحفيا وسنضع المواطنين أمام كامل الحقائق”.
الدكتور سليم: الوضع يتفاقم
وفي سياق متصل، أشار الخبير في “المجلس الوطني للبحوث العلمية” الدكتور كمال سليم لـ greenarea.me إلى أنه “منذ 10 سنوات ونحن نقوم وبشكل روتيني كل اسبوعين بتفقد النهر للقيام بعملنا العلمي والمراقبة ودراسة وضع النهر والبحيرة (القرعون)”. وقال: “الليطاني كما هو معروف مقسم إلى جزئين، الأعلى والأسفل، بالنسبة إلى الليطاني الاعلى فمياه المجاري والصرف الصحي هي الأخطر والأكثر انتشارا من التلوث الصناعي، وهي في تزايد، ولكن للأسف لم تُعالج، فالاعلام تحدث عن تشغيل محطة تكرير زحلة وكان من المفترض أن يبدأ العمل بها ولكن إلى الآن لم نشهد شيئا”.
وأضاف سليم: “الوضع يتفاقم ونحن في دائرة الانتظار، ويبدو أن هناك لامبالاة من المسؤولين، أما الناس ففقدوا الأمل وتعايشوا مع مصائبهم، يرفعون الصوت ولكن ليس ثمة من يسمع”، وأشار إلى أن “المياه باتت واضحة من حيث نسب التلوث من طعمها ورائحتها، فمن الغباء إجراء فحوصات للمياه، ومن ناحية دراسة التنوع البيولوجي لمياه النهر والأحياء المائية والنباتات والحيوانات، مبدئيا لا حياة والمشكلة في تفاقم مع غياب إجراءات المعالجة”.
أما بالنسبة لبحيرة القرعون، فأشار الدكتور سليم إلى أن “استعمالها كان ينحصر بالري وتوليد الطاقة”، وقال: “بالنسبة للري فهو متوقف بسبب تكاثر غير طبيعي لأنواع من البكتيريا والسموم الموجودة في البحيرة، وهذا علميا هو أحد الأسباب لموت الكائنات الحية في البحيرة، ما عدا سمكة واحدة هي الـ carp أو الشبوط”، ولفت إلى أن “هناك مزيجا من السموم قضى على كل الكائنات”، مشيرا إلى أن “السبب ناجم عن سموم متراكمة منذ سنين طويلة”، وقال إن “بعض الصيادين يصطادون الشبوط ويبيعونه علما ان السموم متراكمة فيه”.
الإهمال واللامبالاة
المشهد في القرعون، مياه خضراء وروائح كريهة، فهي لم تفرغ منذ سنة وعملية دخول المياه الآسنة مستمرة إليها ونتيجة التبخر انخفض بعض من مستواها، أما نسبة السموم تخطت الحد الأقصى بكثير، وفقدت المنطقة أهميتها السياحية ايضا والاقتصادية.
أما بالنسبة للحلول، فقال سليم: “لا أرى حلولا، لأن موضوع معالجة النهر يحتاج سياسة كبيرة وتمويل كبير وخطة عمل مدروسة تكون فعلية ومرحلية، لسحب كامل الرسوبيات واذا توفرت هذه الشروط فنحتاج لمدة زمنية طويلة ايضاً”.
وأشار إلى أن “أزمة القرعون والبحيرات بشكل عام في تفاقم، ولكن ما هو حاصل في القرعون اكثر بكثير من الكارثي، مع العلم ان البحيرة خدمت فترة ستين سنة بشكل رائع، ولكن الإهمال واللامبالاة أوصلانا إلى هذا الوضع، علما ان أزمة السينوبكتيريا بدأت الانتشار في مختلف بحيرات العالم، ففي فرنسا الآلاف من البحيرات بدأت تنمو فيها السينوبكتيريا ولكن لأسباب مختلفة ومرتبطة بالتغيير والنمو البشري لكن يتم معالجتها.
وختم سليم: “ان الوضع يتفاقم يوما بعد يوم، وقد حذرت مسبقا من خلال مقالاتي، وقلت اننا قادمون على مراحل صعبة، ولكن دون جدوى وأعود وأكرر أن الحل وإعادة النهر لحالته الطبيعية يبدأ بوقف التلوث وسحب الرسوبيات قبل بدء العمل على البحيرة، وجنوبا لا تلوث بحجم التلوث في القسم الاعلى، ويمكن السيطرة عليه ببعض الاجراءات كسحب الطمي ووقف المرامل والصرف الصحي، فالحلول جنوبا أسهل بكثير”.
المصدر: غرين ايريا
تعليقات: