المشهد أقسى من مجرد تضارب عابر بين أطفال ونساء متسولين رماهم اللجوء على أرصفة شارع الحمرا في بيروت، ونما معظمهم لا يعرف من الحياة إلا استجداء المال من المارة على ذلك الرصيف الذي يجمع مختلف شرائح المجتمع اللبناني والسوري على حد سواء.
يتعدى المشهد ذلك التضارب بالأيدي، وهو ليس الأول من نوعه، لكنه الأوضح لناحية توثيق تلك الحالة وتحويلها الى ظاهرة تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي بأهداف مختلفة.. ذلك الإشكال العنيف الذي جمع المتسولين السوريين، لا يعكس بأي من الأحوال حالة الانتعاش الإعلامية التي يعيشها النظام السوري اليوم، بقدر ما يعكس مخاطر مستقبل هذه الحالة في شوارع لبنان إذا ما استمرت بالتنامي.
بالأمس ظهر اللجوء السوري في بيروت بأكثر صوره قساوة: لاجئون متسولون، تديرهم مافيات، يتقاتلون على تقاسم الشارع "الثروة" مقارنة بباقي الشوارع التي ينتشرون فيها، وهي صورة مصغرة عن معارك أخرى تدور في بلدهم الأم الذي جرى تقسيمه مرات عديدة بين متسولي ثروات، وما زالت معارك تقسيمه على نار حامية.
أسباب تلك المعركة لا تعني أحداً بقدر الخوف من تلك الظاهرة، والشفقة حيالها، في الوقت عينه.. اللاجئ السوري المتسول لم يكن متسولاً في بلده، ومعظم هؤلاء الأطفال كانت المدرسة مصيرهم المحتوم في سوريا، لكن قواعد اللعبة اختلفت اليوم وهو يدخلون مدرسة الشارع التي تخرج أجيالاً أقسى وأشرس من خريجي المدارس والجامعات الذين يتقاتلون اليوم وتوثق في معاركهم أقسى صور القتل وأكثر تفنناً.
يوثق ذلك العنف صورتين أساسيتين، للمجتمع السوري بشكل خاص، والمجتمع العربي عموماً.. صورة الانقسام المتفشي على كل المستويات بلا استثناء، وصولاً إلى التسول، إذ إن كل المشتركات القاسية التي تجمع بين أولئك اللاجئين لم تمنعهم من ممارسة العنف الذي يفتك ببلدهم الأم ويدمر حضاراته المتجذرة في التاريخ، ونرى صورة مصغرة عنه في شوارع بيروت.
الصورة الثانية تتعلق بحقيقة الأهداف التي تدور من أجلها المعارك والشعارات الفارغة التي تُرفع بهدف التحشيد، وتنمو على ظهرها ثروات ضخمة وتظهر أثرياء جدد، قد تكون مافيات التسول في شوارع بيروت إحداها، وهذه الأموال التي تجبى بالمفرق لا يستفيد منها بالتأكيد ذلك الطفل أو تلك المرأة التي تقاتل بشراسة من أجل موقعها في الشارع.
والحال أن ظاهرة اللجوء والنتائج المترتبة عليها، والتسول إحداها، باتت بحاجة الى سياسات شفافة، مختلفة عن تلك التي تقوم على توزيع الأموال على مؤسسات المجتمع المدني، بعدما ساهم عدد كبير من تلك المؤسسات في تكريس هذه الظاهرة التي تحولت اليوم الى عبء على السوريين أنفسهم، بعدما باتت تستدعي تجاههم المزيد من التصرفات العنصرية، وتهدد بتفجير في البيئات التي يلجأون فيها.
* المصدر: المدن
تعليقات: