الشاعرة هدى صادق: للخيام وعشقها مفعول سحري يبطل شعوذة الكره وينقّي مرارة الاغتراب من دمائنا
كل الخيّاميين خونة ومن ضمنهم أنا
لأننا سلّمنا بأن الشمس تبزغ من الشرق
وهي تشرق من عندنا
و لأننا صدقنا بأن قرصها يلتهب حرارة من اشتعالها
وهي تلتهب لعشق خيامنا
فكل الطبيعة التي آمنت بدين الله تُسبح لتبقي الخيام
كماء زمزم تبلّل ريقنا
و تهدّئ كما المسكنات وأعشاب القرنفل والميرامية والزهورات أعصابنا
وتدون أسماء من رحلوا ومن بقوا في دفاتر التاريخ كما يدون الملكان فوق الأكتاف أعمالنا
فللخيام وعشقها مفعول سحري يبطل شعوذة الكره وينقّي مرارة الاغتراب من دمائنا
ويفك طلاسم العتمة التي تتراكم كما غبار الروح إن أجبرتنا لقمة العيش على غيابنا
لتقرأ ألسنة العنب وحناجر الورد وأفواه الرمان المعوذتين قبل أن يباشروا بالصلاة على نبينا
لمنع النور من الخروج مع السهر ليلا الى أحراش الغار دون علمنا
ولصد وساوس الشيطان من التحرّش سرّا بمد اللهفة الذى يواجه اقتراب النسيان من ذاكرة بيوتنا
و محو كل طلاسم الحرب التي أخرست لفترة من الزمن ثرثرة أفراحنا
فكل الخياميين يخونون النهار في صيف الخيام
ليقضوا مع ترابها وغروبها وقتا يرسم على غفوتها أحلامنا
وكلهم يحزمون حقائب الورد ويقفون على أرصفة الاشتياق
ليبقى حاميا لها عطرنا
حينها ستبدو أشجار الصنوبر ومزارع اليقطين أكثر دفئا عندما ينحني ليعانق جذورها ظلنا
ويبدأ عرس الفرح بعقد قرانه على سهل الخيام وجبل شيخنا
بحضور شتلات الزنبق وأجنة البنفسج وجمع غفير من سنابل قمحنا
لتبدأ مراسيم الفصول الأربعة بجذب الأربع والعشرين ساعة إلى وقتنا
هنا يغتال الخياميون صدأ الروح ويصوبون أسلحتم الثقيلة على اكتئابنا
ليسقط اليأس شهيدا وتصلي عليه صلاة الغائب آمالنا
فكل الخياميين يؤمنون بخيانتهم للحقد حين يكون الوفاء للوطن هو همنا
وكلهم يعشقون الصعود درجة درجة الى هامة السعادة حين لا يجدون مصاعدا تحمل إليها أجسادنا
وكلهم محترفون قد يصنعون من ضمة بقدونس ورشة برغل مقبلات تستفتح بخيرات الطين يومنا
وقد يحولون كمشة طحين وغلوة تين وقشر ليمون الى لقمة تدلل بغنجها أفواهنا
وقد يحيكون من الكلمة لحنا ومن اللحن لغما يفجر ال(دو ري ، مي) في صباحنا
لتفوح رائحة صوت فيروز وهو يشدو رجعت الشتوية لفصول أعوامنا
وتهز دبكة الشباب خاصرة المرج ليرقص العمر طربا على إيقاع خطواتهم ويطربنا
وقد يعدلون خريطة مزاج الكون ويتبلوا اللون باللون لتثمل جاذبية الأرض وتسقط سهوا في هوى الدردارة وينشأ نسل جديدٌ وفيٌّ لتراث أجدادنا
فكل الخياميين خونة ومنهم أنا
لأننا وعلى مضض اعترفنا بشروق الشمس من الشرق لا من خيامنا
وبظهور القمر ليلا ليضيئ العالم لا لكي يحرس كالرعاة نجومنا
,لاق.
* الشاعرة هدى صادق
تعليقات: