المرحومان أم ابراهيم وأبو ابراهيم محمد رشيدي
بالعادة و في مناسبات تكريم الأهل، يختصر الحديث على ما قدمه الأهل لأبنائهم.
لكن إسمحوا لي الْيَوْمَ كأحد أولاد المرحوم أبو إبراهيم / الحاج محمد خليل رشيدي، أن أضيء على بعض جوانب سيرته الحياتيّة.
لقد نشأ الوالد في بلدتنا الخيام وسط عائلة فقيرة و كادحة.
وفي أواسط الثلاثينيات شجّعه والده على تحصيل العلم ، فأرسله الى بيروت حيث أقام فيها للدراسة. تميّز خلالها بتفوقه بالرياضيات و إستطاع نيل شهادة السرتفيكا الفرنسية إضافة الى السرتفيكا اللبنانية. و في حينها كانت تلك الشهادة بمستوى شهادة البكالوريا الْيَوْمَ.
ثم جاءت الحرب العالميّة الثانية فإضطرّ للعودة للبلدة و الإنقطاع عن تكملة علمه.
أيها الإخوة و الأخوات،
إنّ شخصية كلٍّ منا تغتني من خلال تفاعلها و تكاملها مع شخصية الزوجة.
و بالحديث عن والدي، لا بدّ أن نذكر دور والدتي ، المرحومة الحاجة زينب محمد حسن عواضة، حيث قدَّما معاً رسالة مشتركة.
فلمّا نُقل مركز عمل الوالد إلى بيروت في أواخر الخمسينات، (و كان يعمل في سلك الجمارك) عمل على نقل تعليمنا إلى أفضل المدارس عِلماً أنها كانت بعيدة نسبيّا عن مكان سٓكنَنا.
و من ناحيتها كانت الوالدة تسهر يوميا" على شحذ هممنا و التأكد من إكمالنا لكل واجباتنا المدرسية.
وبعد حصول كبير الإخوة، إبراهيم، على شهادة البكالوريا (math-elem)، سهّل له الوالد كل ما يلزم لِيلتحقَ بإحدى الجامعات الفرنسيّة. و من بعدها تابع والدنا نفس التوجُّه معنا حيث أكملنا جميعاً الإختصاص الجامعي، إن في الجامعة اللبنانية أو في فرنسا أو في غيرها من البلدان كالجزائر و رومانيا.
و خلال مراحل تعلّمنا، إستطاع الوالد و إستطعنا تجاوز الظروف القاسية للحرب الأهليّة في لبنان بالإضافة إلى ظروف الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام ١٩٧٨ و الذي مهّدت له إسرائيل و عملاؤها بالمجزرة المُروعة في الخيام و التي راح ضحيّتها أكثر من ٨٠ كهلاً و عجوز بِهٓدف تهجير البلدة بالكامل و تدمير البلدة، و إن لا أخطِئ، فإنّ أول بيت دمّره عملاء إسرائيل كان مبنى الوالد أي بيتنا في الخيام.
لقد كان والدانا مؤمنين بأن أفضل سلاح في أيدينا لبناء مستقبل أفضل هو سلاح العلم و لعل الوالد أرادنا أن نحقِّق من خلال تحصيلنا و تخصّصنا العلمي ما لم تسمح له الظروف بإكماله.
أما من ناحية نظرة الوالد تجاه المرأة، فقد كانت نظرته نيّرة و متقدمة و متجاوزة للتقاليد خاصّةً من حيث المساوات بالحقوق بين الإبن و الإبنة و من هنا تمّ تأمين أفضل السبل لأخواتي في تحصيلهنّ العلمي (للعِلم فقط، كان في تربيته لنا أنّ أي محاولة تعنيف أو محاولة إيذاء أيّ منّا لأختِه بمثابة خطّ أحمر لديه).
تميّز أبو إبراهيم بثلاث خصال رئيسية في شخصيته:
١ـ الذكاء . و في كثير من الأمور الحياتية كالأنشطة الذهنية أو ما شابهها، كان عنده المقدرة على توقّع النتائج الأكثر إحتمالاً و غالبا" ما كان يُصيب (probability theory)
٢ـ كان يتميّز عن أقرانه بالجرأة و قوة الأعصاب وقت الشدّة و سرعة البديهة و المبادرة
٣ـ كان منفتحا" على الآخرين ، يساعد دوماً عند المقدرة،
و ساعد إخوته ولٓوْ على حساب نفسه
أبا إبراهيم،
نَم هانئا" فقد أعطيت الأفضل حتى آخر لحظة من حياتك و كنت أنت و المرحومة أم إبراهيم نموذجا" في دوركما التنويري و تشجيعكما للتعلُّم. فألف رحمة على روحِكما.
حضورنا الكريم،
بإسم إخوتي و جميع أفراد العائلة نشكركم جميعاً على مشاركتكم و مواساتكم لنا و نخص بالشكر كلّ الذين تحمّلوا عناء المجيء من خارج البلدة.
شكراً لكم و السلام عليكم و رحمة الله.
* كلمة ألقاها المهندس أحمد رشيدي في حسينية الحيام في ذكرى مرور أسبوع على وفاة والده أبو ابراهيم محمد خليل رشيدي
مواضيع ذات صلة:
أبو ابراهيم محمد رشيدي في ذمّة الله
كلمة المحامي ربيع بزّي (مثلك حيّ باقٍ بيننا عبر من أنجبت)
كلمة عبدالحسين رشيدي (إلى أخي أبو ابراهيم)
سجل التعازي بالمرحوم الحاج محمد خليل رشيدي (أبو ابراهيم)
تعليقات: