نشرت هذه المعلومات بعد وفاة أهم القيادات العسكرية التي شاركت في الحرب (Getty)
بعد 35 عاماً من اجتياح لبنان، في العام 1982، نشرت صحيفة هآرتس أهم ما سمح الجيش الإسرائيلي أخيراً بإصداره من أجزاء رسمية تعتبر الأكثر إثارةً للاهتمام عن التاريخ الرسمي للصراع اللبناني- الإسرائيلي.
قيل وكُتب كثيراً عن حرب لبنان عام 1982. لكن ما نُشر أخيراً بعنوان "شليغ في لبنان"، وكتبه شيمون جولان، استغرقت الموافقة على نشره 35 عاماً من الدراسة من قبل إدارة التاريخ في الجيش الإسرائيلي. ويفسر جولان، وهو ضابط احتياط كبير، نشر هذه المعلومات اليوم بوفاة أهم القيادات العسكرية التي شاركت في الحرب: مناحيم بيغن، رفائيل إيتان وأرييل شارون.
عندما قُتل أنور السادات، وفق الوثائق، في الذكرى الثامنة لاندلاع حرب تشرين، في العام 1973، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن إلى ضم مرتفعات الجولان، على أمل دفع حسني مبارك إلى تجميد السلام الإسرائيلي- المصري. بالتالي، حصوله على ذريعة لالغاء عمليات إجلاء ياميت وشرم الشيخ التي كانت إسرائيل قد التزمت بها. وبما أن تل أبيب كانت تتوقع رداً سورياً عنيفاً على هذه الخطوة، بدأت القيادة الشمالية بحملة عسكرية، من بينها غزو لبنان، من أجل غرض ثلاثي الأبعاد، وهو القضاء على قوات منظمة التحرير الفلسطينية، إبعاد الجيش السوري والوصول إلى بيروت لمساعدة بشير الجميل.
لا تضيف بحوث جولان كثيراً في ما يتعلق بمجزرة صبرا وشاتيلا. لكنها، تشير إلى تحذيرات كان يعرفها الجيش الإسرائيلي بشأن بعض الميول القاتلة لقائد ميليشيا جيش لبنان الجنوبي سعد حداد. ومسألة التعاون مع حزب الكتائب كانت غير مستقرة حتى غزو بيروت. وبحلول ذلك الوقت كان من الواضح أن دخول عناصر الكتائب مخيمات اللاجئين، التي يحاصرها الجيش الإسرائيلي "بحثاً عن إرهابيين بلباس مدني"، هو دعوة إلى مذبحة.
تؤكد النسخة التي سمح بنشرها، وفق هآرتس، شكوكاً كثيرة تؤكد أن هذه الحرب كانت خدعة، وتنطوي على ازدواجية واخفاء للأهداف الحقيقية. وينطبق هذا على بدء الحرب وسلوكها، من دون أن توضح بالتفصيل الفشل الدبلوماسي الكلي وسقوط مئات الضحايا على نحو عبثي. وشملت التداعيات إزاحة وزير الخارجية، الكسندر هيج، وخطة الرئيس رونالد ريغن للسلام مقابل الأراضي، وتجاهل بشير الجميل الأشخاص الذين اشتروا انتخابه رئيساً بدمائهم، والسلام المزيف مع أخيه أمين، الذي كان وفق الوثائق دمية سورية.
النتيجة الرئيسية التي توصل إليها جولان هي أن شارون سعى باستمرار إلى تحقيق خطته الكبيرة، في حين كان يحاول الحصول على توصيف متسلسل وتراكمي لتوسيع العمليات الأصغر التي أخذ الموافقة عليها. وقد أمل في الحصول على توقيع بيغن للموافقة على خطته الجديدة في حين كان الأخير يتعامل مع مسائل تافهة مثل تغيير اسم العملية السابق، أورانيم، إلى حماية الجليل، لجذب المسيحيين كون هذه المنطقة ترتبط بالمسيح.
بعد استقالته من الجيش في العام 1972، ليتحول إلى العمل في السياسة، أستُدعي شارون للقتال مرة أخرى بعد اندلاع حرب 1973 مع مصر وسوريا. وقد قام، وفق الوثائق، باستخدام الحيل واطلاع بيغن على خططه الجديدة من أجل الضغط على موشيه دايان للموافقة عليها، رغم معارضة كبار القادة العسكريين. وفي حرب لبنان فعل شارون الأمر نفسه. لذلك، تجاوزه ضباط آخرون، واقتربوا من وزراء الحكومة، لاسيما مردخاي زيبوري، لجعلها على علم بالفجوة بين ما قيل لها وما يحدث على أرض الواقع.
كان مجلس الوزراء الإسرائيلي، وفق الوثائق، قد وافق على أن تكون مدة عملية لبنان تراوح بين 12 و72 ساعة على الأكثر، مع عدم وجود نزاع أو اشتباك مع الجيش السوري ومن دون الوصول إلى بيروت. لكن، الجيش الإسرائيلي اخترع قصة حول أسلحة تملكها منظمة التحرير الفلسطينية مداها 40 كيلومتراً، واستندت معلوماته إلى وجود مدفعية واحدة لم يُعثر عليها. والمفارقة المثيرة للسخرية هنا كيف لا يمكن للجيش الأقوى والأكثر تطوراً في منطقة الشرق الأوسط تحديد موقع مدفع واحد وتدميره؟
ربطاً ببحث جولان، ترى هآرتس أن على رئيس الأركان غادي إيزنكوت، الذي يعتقد لسبب ما أن الجيش الإسرائيلي كان منتصراً في حرب لبنان 2006، ورغم أن معارك عين زحلتا والسلطان يعقوب وبيروت تنتمي إلى حقبة عسكرية أخرى، قراءة هذا البحث فوراً لتخليص نفسه من هذا الوهم. لأن أخطر خطأ ارتكبه القادة السياسيون والعسكريون في لبنان 1982، كما حدث في حرب تشرين عام 1973، لا علاقة له بأخطاء المخابرات، بل بالتقييم الخاطئ للقوة.
* المصدر: المدن
تعليقات: