استضاف اليوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني، في إطار برنامج مموّل من الاتحاد الأوروبي، جلسة حوار حول "دولة الرّفاهية والحماية الاجتماعيّة" ترأسّها وزير الشّؤون الاجتماعيّة الاستاذ بيار بو عاصي. وكانت هذه الجلسة هي الثانية ضمن سلسلة جلسات حوارية تهدف إلى تعزيز الحوار الاجتماعي الثلاثي من ضمن مبادرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي "نهوض لبنان نحو دولة الإنماء".
ضمّت جلسة الحوار التي أقيمت في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في بيروت، أكثر من 50 ممثلاً من منظمّات اقتصادية، ونقابات عمّالية ومن المجتمع المدني، وخبراء اقتصاديين، ومسؤولين حكوميّين لمناقشة قضايا الحماية الاجتماعية في ظل السياق الحالي والتحديات الآنية التي يواجهها لبنان.
شارك في الجلسة الاولى التي عقدت تحت عنوان "العقد الاجتماعي" كل من معالي وزير الشّؤون الاجتماعيّة بيار بو عاصي، وجورج ايدا، مدير عام وزارة العمل، وروجيه نسناس، رئيس المجلس الاقتصادي و الاجتماعي اللبناني، والدكتور بشارة الأسمر، رئيس الإتّحاد العمّالي العامّ، والدّكتور كمال حمدان، المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، وكانت منسقة الجلسة، الصحافية سابين عويس.
اكد وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي ان لا يمكن الفصل بين دور القطاعين العام والخاص والمجتمع ، مشددا على ان المواجهة بينهم اسوأ ما يمكن ان يجري، واضاف: " نحن بحاجة الى اعادة تاكيد للقيم قبل الانطلاق الى التعاضد الاجتماعي سائلا: هل فعلا حياة الانسان وكرامته وحريته خط احمر لدينا؟"
وعن دور القطاع الخاص، شدد على الدور المحوري والاساسي التي تلعبه الجمعيات في مساعدة آلاف الحلقات الضعيفة مركزا على ضرورة التطوع، ومشيرا الى ان البلدان الاكثر تمتعا بالتعاضد الاجتماعي هي التي يكون التطوع اساسا فيها. اما عن الشركات فاكد انها يمكن ان تساعد في جوانب عدة لانها جزء لا يتجزا من الوطن، لافتا الى ان الشركات التي تتمتع بالمسؤولية الاجتماعية يعد وضعها افضل من غيرها، ومتحدثا عن المشاريع الاجتماعية التي تنفذها بعض الشركات فضلا عن المساعدات الفردية.
وفي ما خص الدولة، فاكد انه من الافضل ان تتبع سياسة اجتماعية متكاملة الا انها لا تنفذ وللاسف في لبنان والموزانة خير دليل على ذلك، معتبرا ان الوضع الحالي ليس الامثل والافضل الذي يساهم في وضع تصور اجتماعي. وشدد على ان انتاج افضل اشكال السياسة الاجتماعية يحتم وجود ارادة سياسية ووعي وتكامل بين مكونات المجتمع، معتبرا ان تركيبة الحكومات لا يسهل ذلك لاسباب معروفة.
وختم بالاشارة الى اهتمامه بانخراط الشركات في العمل الاجتماعي ومساعدة الجمعيات للوصول الى نتيجة افضل، لان الطفل والمرأة المعنفة والمعوق والمدمن والمسن حالات ضاغطة، مشددا على ان المجتمع الذي لا يهتم بالحلقة الاضعف يضعف نفسه ويعرض الوضع الاجتماعي والاقتصادي الامني للخطر.
قال روجيه نسناس: "في اطار" نهوض لبنان نحو دولة الانماء"، الذي كان قد اطلقناه في السراي، نحن اليوم في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، منبر الحوار الميثاقي بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني، نلتقي حول موضوع "دولة الرفاهية ودولة الحماية الاجتماعية"، ويدفعنا الى ذلك، الحرص على المتابعة من أجل ترسيخ الأفكار الإصلاحية والعزم على استنفار القدرات وعلى استنهاض التوجهات في القطاع العام، وفي القطاع الخاص، وفي المجتمع المدني، للانخراط جميعاً ومعاً في إرساء ورشة النهوض وركائزها الأساسية ساعين الى تقريب المسافة بين الطموح والواقع."
اما السيد جورج ايدا تحدث عن دور وزارة العمل في تامين فرص عمل للبنانيين والاستخدام العادل للعمال اللبنانيين واحياء المركز الوطني للتدريس المهني معتبرا ان التعليم هو الاساس في بناء الانسان وتسائل عن كيفية تأمين فرص العمل للعاطلين عن العمل في ظل وجود 72 جامعة تخرج آلاف من الطلاب.
القى الدكتور بشارة الأسمر كلمة اعتبر فيها ان احد اهم متطلباته هو التكامل وليس التعاطي الفوقي، لان الحكومة تمتنع عن تنفيذ القوانين بحجة عدم وجود التمويل وعدم وجود الدراسات. واهم متطلباته أيضاً هي التكافؤ في التعاطي حول قانون الشيخوخة والتقاعد في ظل وجود خلل كبير في الواقع الاجتماعي ناتج عما يحصل على الارض والذي لا يبشر بالخير وان اهم متطلبات العقد الاجتماعي هو مع من يدرس الضرائب في السراي بعد اصدار القوانين ومن ثم ابطالها.
قال الدّكتور كمال حمدان في مداخلته: "ان "النموذج" الاقتصادي والاجتماعي المترسّخ منذ عقود في لبنان لم يعد قابلا للإستمرار. وقد ترسخّت منذ التسعينات مجموعة من الظاهرات التي انطوت، في محصلتها العامة، على تعاظم استقطاب الثروة والدخل في البلاد، الأمر الذي إنعكس بوضوح في تعمّق الخلل بين مكونات الناتج المحلي القائم - الأرباح الرأسمالية والأجور والفوائد - وفي ازدياد تركّز الودائع (الثروة) والتسليفات، اضافة الى غلبة السمة شبه الاحتكارية على بنية الأسواق الداخلية وأسواق الاستيراد، بحسب ما اظهرته الدراسات الاحصائية المتاحة. وكنتيجة لهذا الاستقطاب المتزايد، اتسعت دائرة الفقر والتفاوت الاجتماعي وتعمّقت أوجه عدم المساواة، وانفصمت العلاقة بين الأجور من جهة وخطي الفقر الادنى والاعلى من جهة ثانية، مع تميّز هذه الظاهرات بأبعاد قطاعية ومناطقية، في بلد يعاني اصلاً من انقسامات على غير صعيد." وأضاف: "إن الشعب اللبناني مطالب بالعمل بكل الوسائل المتاحة على بناء عقد إجتماعي من نوع جديد، يجسّد بصورة محدّدة نطاق تدخّلات الدولة وشروط تجسيدها لحقوق المواطن وواجباته في كل مرفق من مرافق الخدمة العامة. إن مثل هذا العقد الاجتماعي لا يمكن بناؤه من دون أن يكون مرتبطا بوجود رؤية استراتيجية انمائية تنهض بالاقتصاد الوطني وتخرجه من دائرة الركود الطويل الأجل الذي دخل ويكاد يستقرّ فيه."
أما في الجلسة الثانية التي عقدت تحت عنوان "صندوق التقاعد والحماية الاجتماعية" شارك كل من النّائب الدكتور عاطف مجدلاني، رئيس لجنة الصحة العامّة والعمل والشؤون الاجتماعيّة، ورفيق سلامة، خبير، وأنطوان واكيم، خبير بشؤون التأمين، وفؤاد رحمه، رئيس تجمّع رجال الأعمال اللبنانييّن، ونسّق الجلسة كميل منسّى.
قال النائب الدكتور عاطف مجدلاني: "ان قانون التقاعد والحماية الاجتماعية انطلق من جديد على سكة المعالجة، من خلال اعادة احياء اجتماعات اللجنة النيابية الفرعية. ومن خلال اجواء الاجتماعات وتجاوب الاطراف وايجابيتهم نأمل ان لا يستغرق انجاز المشروع في اللجنة اكثر من شهرين، يُحال بعدها الى اللجان ومن ثم الى الهيئة العامة للاقرار". وأضاف "يأتي اقتراح قانون التقاعد والحماية الاجتماعية ضمن مشروع متكامل من ثلاثة اقسام: اقتراح قانون البطاقة الصحية لتأمين الصحة للفئات التي ليس لديها اي ضمان، واقتراح قانون افادة المضمونين من خدمات الضمان الاجتماعي بعد سن التقاعد، واقتراح التقاعد والحماية الاجتماعية او التقاعد والعجز والوفاة." وختم قائلا: "مع استكمال القوانين الثلاثة نكون قد انجزنا مشروعًا متكاملاً يضمن الصحة من جهة والحد الادنى من العيش الكريم من جهة اخرى."
أما رفيق سلامة شدد على ضرورة تطبيق نظام تعويض نهاية الخدمة على فئة من الناس يصلون الى سن التقاعد ويقعون بالفقر والتهميش. هذا النظام له أولوية عن كل انظمة الحماية الاجتماعية ويجب أن يطبّق.
وقد نتج عن هذه الجلسات، التي شملت مناقشات مفتوحة مع المشاركين، حوار بنّاء بين الشركاء الاجتماعيين بشأن قضايا الحماية الاجتماعية المهمّة وأسهمت في الخطاب العام بشأن الإصلاحات الأولوية اللازمة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في لبنان.
عن مشروع تعزيز الحوار الاجتماعي
يوفّر مشروع "المساعدة التقنية لدعم تعزيز الحوار الاجتماعي في لبنان" المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي أُطلقَ في تموز 2015، المساعدة التقنية لوزارة العمل، إذ يهدف إلى تعزيز قدرة الحكومة اللبنانية والشركاء الاجتماعيين اللبنانيين، بما في ذلك المجتمع المدني، على الترويج لحوار اجتماعي حقيقي. ومن المتوقع أن يكون لممارسة التعاون والحوار الثلاثي الأطراف بشكل فاعل بين الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والهيئات العمالية والمجتمع المدني تأثير إيجابي على المجتمع اللبناني، وعلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وكذلك على تحسين التشريعات العمالية وتنفيذها.
هذا المشروع يأتي ضمن إطار البرنامج "دعم العدالة الاجتماعية" المموّل من الاتحاد الأوروبي.
یدعم الاتحاد الأوروبي الحوار الاجتماعي في لبنان ويعتقد بأنه سيوجد ثقة متبادلة بین الشرکاء الاجتماعیین الثلاثيي الأطراف والمجتمع المدني من أجل المشارکة الفاعلة والإعلام والمناصرة من أجل التغییر الاجتماعي والاقتصادي.
تعليقات: