مشهد يومي للبنانيين على أبواب السفارة الفرنسية
حرب تموز شكّلت مفصلاً أساسياً في زيادة الهجرة
مع ازدياد حدة التشنجات السياسية والأمنية، تبدو الهجرة الحل الأفضل أمام شريحة كبيرة من اللبنانيين، خصوصاً الشباب منهم، بحثاً عن أجواء أكثر هدوءاً واستقراراً لتأمين مستقبلهم. والمؤسف أن هذا الحل الذي يعتبره الكثيرون متنفساً لهم يبدو كارثة وطنية تنعكس آثاره السلبية على مختلف قطاعات البلد. ما هي أبرز أسباب الهجرة، انعكاساتها على السياحة والاقتصاد، وما هي الاحصاءات والأرقام التي سجلت، خصوصاً بعد حرب تموز، وما هي النتائج التي أظهرتها الدراسات في هذا الصدد? وكيف توزعت نسب الهجرة بين مسيحيين ومسلمين? الأسباب سياسية تدل المؤشرات اليوم على أن موجة جديدة من الهجرة بدأت باتجاه الغرب والخليج العربي، بعد ما شهده لبنان أثناء حرب تموز، وما يعايشه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تلاه من أزمات سياسية وأحداث أمنية واغتيالات. ولا يمكن فصل الأسباب السياسية عن الاقتصادية والمعيشية، فهي تواترت ما بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان حين كانت أسباب الهجرة معيشية وحتى العام 2003، عندما تحولت الى أسباب أمنية استمرت الى الوقت الذي أدت فيه هذه الأسباب الى أزمة خيارات سياسية ومصيرية للبنان، هذا ما ظهر في نتائج الدراسة التي أجراها مركز (دراسات الانتشار اللبناني) في جامعة اللويزة، وتناولت مرحلة ما بعد العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 وتم تنفيذها بطلب من الاتحاد الأوروبي المتوسطي للبحث التطبيقي في الهجرة الدولية. وخلصت الدراسة الى أن 60.5% من اللبنانيين المقيمين في لبنان يرغبون في السفر للخارج، وأن 39% منهم يرفضون فكرة السفر، فيما امتنع 0.5% عن الاجابة. وفي مؤشر على حجم هذه الأزمة أظهرت الدراسة تَساوي المسيحيين والمسلمين الراغبين في الهجرة بفارق نقطتين فقط. ففي حين يرغب 3،61% من المسيحيين بالسفر يقابلهم 59.4% من المسلمين، وبينت الدراسة أيضاً أن 60% من اللبنانيين المغتربين الرافضين للعودة الى بلادهم قالوا إن الحرب هي السبب الأساسي. كما تشير الدراسة الى أن 68.4% من الراغبين بالهجرة يؤكدون أن الحرب ساعدتهم على اتخاذ قرار الرحيل أما بالنسبة لأسباب الهجرة فإن 39.3% من الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم سيهاجرون لضمان مستقبلهم فيما 25.3% عزوا السبب الى الوضع السياسي في لبنان.
المهاجرون شباب
تشير دراسة للدكتور علي فاعور عن هجرة الشباب أنه بين عامي 1991 وعام 2000 هاجر 350 ألفاً من فئة الشباب، وبين عامي 2001 و2005 هاجر 210 آلاف من الشباب فيما هاجر خلال شهر تموز 2006 أكثر من 120 ألفاً. وتتوقع الدراسة أن يتغير التوزيع النسبي لسكان لبنان المقيمين حيث تنخفض نسبة السكان دون الـ 15 عاماً من 31.1% في عام 2006 الى 24.7% عام .2021 وستقلص الهجرة المتزايدة قاعدة السكان الشبابية من 19% عام 1996 الى 17% عام .2021
وتفيد دراسة مسح المعطيات الاحصائية للسكان والمساكن عن ارتفاع عدد السكان بين عامي 1942 و1970 من 1.05 مليون نسمة الى 2.1 مليون. أما زيادة المليون فقد احتاجت الى 26 سنة أخرى، حيث ارتفع عدد السكان من 2.1 عام 1970 الى 3.1 عام .1996 وأشارت الدراسة الي أن زيادة مليون إضافي الى عدد السكان تحتاج الى 26 سنة أخرى وذلك بسبب هجرة الشباب وارتفاع معدل الخصوبة، حيث يتوقع أن يبلغ عدد السكان في عام 2021 نحو 4.2 ملايين نسمة.
C�التحويلات الى ومن لبنان
كما بيّنت الدراسة أن تحويلات اللبنانيين في الخارج تشكل حوالى 25.8% من الناتج المحلي الاجمالي بالاستناد الى حسابات ميزان المدفوعات عام 2006 إذ بلغ حجم هذه التحويلات 5.6 مليارات دولار. ولكن لبنان ليس بلداً مستقبلاً للتحويلات فقط بل هو مرسل أيضاً إذ أن العمال الأجانب فيه قاموا بتحويل 4.2 مليارات دولار في عام 2006 وهو يشكل 5.19% من الناتج، كما ان الأسر اللبنانية قامت بإنفاق 40 مليار دولار منذ عام 1975 لتهيئة أبنائها للهجرة. والحل المنطقي لكل ذلك يكمن في الغاء الطائفية السياسية والقضاء على الفساد وتوفير البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القادرة على استيعاب كفاءات الشباب اللبنانيين العالية.
وهناك دراسة جامعية تشير الى وجود 11 مليون لبناني موزعين في جميع أنحاء العالم من أصل 15 مليوناً. على صعيد آخر تشير دراسة المنظمة العالمية للهجرة أن لبنان قد يشكّل البلد الأول في العالم من حيث كثافة الهجرة مقارنة بعدد سكانه.
هجرة الكفاءات.
المؤسف أن لبنان بدأ يشهد هجرة الكفاءات من الطبقة الوسطى، من المهن الحرة أي المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين والصحافيين.
وكان أحد المواقع الإلكترونية التابعة لفريق مسيحي معارض أورد أن الساعين وراء الهجرة يزدادون وبلغ عددهم 20 ألف مهاجر لبناني سنوياً وأن نحو 48% منهم لا يعتزمون العودة الى لبنان. كما ان سفير بلجيكا في لبنان أعلن أن طلبات الهجرة الى السفارة البلجيكية في لبنان ازدادت 30% بعد حرب تموز.
وتشير الاحصاءات في هذا الإطار الى أن عدد اللبنانيين المقيمين في البرازيل يفوق ستة ملايين شخص، ويصل العدد في كل من أميركا الشمالية وباقي بلدان أميركا الجنوبية الى ستة ملايين مهاجر، بينما تتقاسم كل من أوروبا وافريقيا والبلدان العربية وخصوصاً الخليج نصف مليون مهاجر. وقد لجأ لبنان في المقابل الى استبدال هذه اليد العاملة المهاجرة بيد عاملة مستوردة أغلبها من سوريا ومصر.
كما ساهمت موجات إعادة البناء في لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية في جلب أعداد من المهاجرين اللبنانيين من ذوي الجنسية المزدوجة الى الاقامة مجدداً في البلد. وتتحدث التقديرات الحالية عن 40 ألفاً من حاملي الجنسية الكندية وعن 40 ألفاً من حاملي الجنسية الفرنسية 20 ألفاً من الجنسية الأميركية.
ويؤكد السفير البابوي في واشنطن أنه تسلَّم تقريراً صادراً عن دائرة الهجرة في وزارة الخارجية الأميركية يتحدث عن تفاقم هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط، وان ما يدفع المتقدمين بطلبات هجرة سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين هو غياب آفاق المستقبل على مختلف الصعد الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية.
بعد حرب تموز
وتقول رئيسة مركز دراسات الانتشار اللبناني في جامعة سيدة اللويزة غيتا حوراني إن الأزمة السياسية الأخيرة أفرزت ظاهرة جديدة على المجتمع اللبناني متمثلة في بروز هجرة الفتيات اللبنانيات، حيث بلغت نسبة المهاجرات 51 في المئة من مجموع مَن هاجروا في الفترة الأخيرة. وبحسب الدراسة أصبحت الوجهة الأساسية لشباب لبنان في سعيهم للحصول على تأشيرة هجرة هي فرنسا، كندا، أوستراليا ودول الخليج العربي.
يضاف الى الأزمة السياسية كعامل أساسي في تزايد هجرة اللبنانيين أن هذه الحالة انعكست توتراً وقلقاً وخوفاً على المستقبل وتأثيراتها السلبية على الوضع الاقتصادي عموماً من حيث تزايدت معدلات البطالة الى أكثر من 30% في مطلع السنة الجارية (كانت 18% قبل حرب تموز وفق إحصاءات وزارة العمل اللبنانية) وتقلص فرص العمل اثر حرب تموز (فقدان نحو 40 ألف عامل وظائفهم بعد الحرب مباشرة)، يُزاد علي ذلك أن القطاعات الاقتصادية المختلفة بدأت تبحث عن سبل خفض خسائرها بسبب الشلل الحاصل في المؤسسات التجارية والسياحية والانتاجية وسببها الحرب وما تلاها من حركات اجتماعية واعتصامات واضرابات وأحداث أمنية.
فعلى صعيد القطاع السياحي الذي يعتمد عليه الاقتصاد اللبناني بشكل كبير (68% من المؤسسات هي سياحية) أفاد تقرير صادر عن وزارة السياحة أن عدد السياح في كانون الثاني 2007 تراجع مقارنة مع الشهر نفسه من عام 2006 بنسبة 38.91% وبلغ 53.06 ألف سائح بعدما كان 86.852 في كانون الثاني 2006 وخسر القطاع الفندقي لوحده أكثر من 5 آلاف عامل متخصص ولا يزال مرشحاً لفقدان المزيد في ظل استمرار الأزمة التي تحجب السياح.
ويشير مسح المعطيات الاحصائية للسكان والمساكن الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بين عامي 1997 و2004 الى أن عدد المهاجرين هو نحو 44 ألف لبناني سنوياً، بيد أن هذا العدد ارتفع منذ عام 2005� الى نسبة تراوح بين 60 ألف مهاجر و65 ألفاً سنوياً وبلغ ذروته خلال حرب تموز الأخيرة، ويؤدي هذا النمو في عدد المهاجرين الى ارتفاع معدل الشيخوخة في مقابل انخفاض عدد الفئات الشابة.
تعليقات: