جدارٌ سميك مازال يطوّق ما دارَ في لقاء كليمنصو بين الرئيسَين نبيه برّي وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. ومحاولاتُ اختراقِه إمّا مباشرةً وإمّا تسَلُّلاً، باءَت بالفشل.الصورة الثلاثية لبرّي والحريري وجنبلاط التي التقت في تلك الغرفة العلوية من منزل الزعيم الاشتراكي، وكذلك التغريدة التي أطلقَها بالتزامن مع البيان المقتضَب للحزب التقدمي الاشتراكي حول اللقاء، لم تكن كافية لإرواء عطشِ اللبنانيين للوقوف على ما دار بينهم، فأُدخِل إلى غرفة التنجيم الذي ما زال مستمرّاً حول موجبات هذا اللقاء وأبعاده، وماكينات صاغَت قراءات ضرَبت بعيداً في التأويل والتحليل حيّرَت حتى المعنيّين بهذا اللقاء.
ما قيلَ في الغرفة العلوية مسجون في داخلها، ولكن ما يمكن أن يُقال من قبَل المعنيين به «اللقاء يعبّر عن نفسه، وليفهمْ من يفهم، كلّ شيء كان على الطاولة، إلّا اصحاب الخيال الواسع الذين قاموا بحملة تشهير موصوفة ونسجوا سيناريوهات خلطوا فيها عباس بدباس بدرباس، وتحدّثوا عن أحلاف ثلاثية أو رباعية أو خماسية لا تمتّ إلى الواقع بصِلة».
كلام المعنيين المباشرين ينتهي هنا، إلّا أنّ بعض المطَّلعين على «بعض التفاصيل»، ينطلقون من التأكيد على انّ اللقاء زاخرٌ بالدلالات السياسية، ويتوقّفون عند مجموعة ملاحظات لها علاقة بشكل اللقاء وبمضمون المداولات التي دارت فيه:
الأولى، إنّه أضخمُ حدثٍ سياسي داخلي يَحصل منذ الانتخابات الرئاسية، وحتى ما قبل انعقاد اللقاء الثلاثي.
الثانية، إختيار كليمنصو كمكانٍ للّقاء، له رمزيته للتأكيد على موقع ودور ومكانةِ ورمزية وليد جنبلاط.
الثالثة، إنّه قام على أساس تأمين شبكة أمان للبلد في هذه المرحلة الحبلى بتطوّرات وتحوّلات واسعة وعواصف تهبّ رياحها في كلّ اتّجاهات المنطقة، وهذا يوجب مزيداً من ترسيخ التهدئة بالداخل، ومحاولات جدّية لقطعِ الطريق على «الهواء الساخن» الذي يحاول «البعض» أن ينفخَه في اتّجاه الداخل اللبناني. وبالتالي توجيه رسالة مباشرة الى كلّ من يفكّر في الداخل بالتورّط بحسابات خاطئة، تؤكّد أنّ لبنان ما زال يملك الحصانة الداخلية لإسقاط أيّ مشاريع أو مغامرات أو مقامرات قد تؤثّر على استقراره السياسي والأمني والمالي والاقتصادي.
الرابعة، إرسال رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر بأنّ المكوّن اللبناني المسلم السنّي والشيعي والدرزي متماسك وجزءٌ أساسي من الحصانة الداخلية، بالشراكة الكاملة والمصيرية مع الشريك المسيحي. وبالتالي إنّ وضعَ اللقاءِ الثلاثي في مواجهة المسيحيين كما ذهبَت بعض المخيّلات، هو افتراء على الواقع بمحاولةٍ خبيثة لتظهير الأمور في غير مكانها وحقيقتها.
الخامسة، إنّ اللقاء قامَ على أساس تقديم المصلحة الوطنية العليا على كلّ ما عداها، وحماية الإنجازات التي تحقّقت على غير صعيد، والكلّ شرَكاء في ذلك، مسلمين ومسيحيين، وعلى كلّ المستويات السياسية، وبالتعاون والشراكة الكاملة بين رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.
وبالتالي فإنّ قولَ بعضِ سيئي النية السياسية وغير السياسية بأنّ اللقاء موجَّه ضد رئيس الجمهورية ويأتي في إطار الصدام معه، هو كلام غير منطقي ويتأرجح بين السخفِ والغباء، وخصوصاً أنّ هذا اللقاء وما دار فيه وما تمّ التأكيد عليه حول مصلحة لبنان وحفظِ استقراره يندرج في إطار التكاملِ والشراكة الكاملة والأكيدة مع رئيس الجمهورية.
السادسة، الانتخابات النيابية وإنْ كانت قد دغدغَت طبيعة اللقاء، إلّا أنّ مِن المبكر الحديث عن أحلاف نهائية لأنّها غير واضحة وغير مرسومة أصلاً، علماً أنّ الزمن الفاصل عن موعد إجرائها يزيد عن سبعة أشهر، والله وحدَه يعلم ماذا سيحصل من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات.
السابعة، الأكيد أنّ عرّاب اللقاء بمعناه السياسي هو الرئيس نبيه بري، الذي أثبتَ مرّة جديدة أنه يمتلك قدرةً وحيوية فائقة على حسنِ التقاط الأحداث. وفي كليمنصو، أظهرَ حِرفية مشهودة بطريقة تظهيرِ أهمّية اللقاء حينما قرَّر شخصياً لأوّل مرّة منذ فترة طويلة أن يخرج إلى مناسبة وليس أن يؤتى إليه.
خلاصة كلام المطَّلعين «أنّ لقاء كليمنصو يُبنى عليه، وبالتالي من الطبيعي ألّا يكون يتيماً، ولن يكون مفاجئاً إن كانت له تتمّتُه، التي قد تتمظهَر في الآتي من الأيام، وربّما في مكانٍ آخر، وبصورة أشمل وأوسع.
تعليقات: