نبيل هيثم: حربٌ ناعمة... لا حربٌ ساخنة!

العقوبات الأميركية مزعجة لـ«حزب الله» ومتعبة أكثر لبيئته وللاقتصاد اللبناني
العقوبات الأميركية مزعجة لـ«حزب الله» ومتعبة أكثر لبيئته وللاقتصاد اللبناني


سؤال واكب الهجوم الاميركي على «حزب الله»: هل انّ العقوبات التي قررتها إدارة دونالد ترامب على الحزب محصورة في إطار الملاحقات لبعض قيادييه وتضييق الحصار المالي والاقتصادي عليه، أم انها تندرج في سياق التمهيد لحرب عسكرية عليه تشنّها اسرائيل بغطاء كامل من الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها العرب والدوليين؟

هذا السؤال، صيغ من العاصفة التي تتلبّد سُحُبُها في أجواء المنطقة؛ من إشهار العقوبات والتصريحات النارية المتبادلة، والتي ارتفعت وتيرتها الى حدّ غير مسبوق، الى «التغريدات» التي يسعى شررها لإشعال بعض الفتائل الداخلية، وغير ذلك من السيناريوهات الحربية التي تضع لبنان على حافة الانفجار، والتي ينسجها قارئو الفناجين السياسية في هذا البلد بقولهم انّ العاصفة التي تتكوّن في المنطقة لا بد ان تمطر في مكان ما فيها، ولبنان احد اكثر النقاط التي قد تكون عرضة للاستهداف.

الصورة ملبّدة يعتريها غموض سلبي، ولكن على رغم من ذلك، ومن الحماوة الظاهرية وخصوصاً حدة الهجوم الاميركي على «حزب الله»، وعلى الرغم من غبار الحرب الذي تنثره اسرائيل في اجواء لبنان والمنطقة، فإنّ كل ذلك لا يَشي بأنّ البلد على شفير حرب تستهدفه، كما لا يَشي بأنّ الضغوط المتواصلة على «حزب الله» ستنحدر الى مواجهة عسكرية.

هذه الخلاصة تنتهي اليها تقديرات ديبلوماسية غربية تؤكد انّ العقوبات الاميركية على الحزب، والتي يبدو انها تتخذ شكل مسلسل اميركي طويل، هي «حرب ناعمة» بديلة عن الحرب في الميدان. وبالتالي، بحسب تلك التقديرات، فإنّ العاصفة التي تتجمّع نُذُرُها في المنطقة سوف تبقى في المنطقة ولا تصل الى لبنان.

هذا التقدير الديبلوماسي يتقاطع في خلاصته مع ما انتهى اليه «تقييم حزبي» للهجوم الاميركي وأسبابه والمدى الذي قد يبلغه، وما قد يعقبه من تطورات سياسية او عسكرية.

ولَخّصه احد المسؤولين كما يلي:

اولاً، العقوبات على «حزب الله» مزعجة بلا ادنى شك، إنما هي متعبة اكثر لبيئته، بقدر ما هي متعبة للاقتصاد اللبناني بشكل عام. وقد اعلن الحزب انها لن تؤثر على عمل المقاومة على الاطلاق سواء في مواجهة الخطر الاسرائيلي وخطر التكفيريين.

ثانياً، لبنان على كل مستوياته إستشعر الخطر الآخذ بالتصاعد على طول جغرافيا المنطقة وعرضها، وبالتالي فإنّ الأداء اللبناني السياسي والرسمي عكس توجهاً جدياً لتجنّب العاصفة إذا هَبّت على المنطقة. علماً انّ ثمة محاولات وضغوط كبيرة تمارس من بعض الجهات الاقليمية على بعض القوى اللبنانية لتسخين الداخل وإعادة البلد الى زمن الاصطفافات الحادة، الّا انها فشلت ولم تلق استجابة لها، خصوصاً انّ الجميع استشعروا انّ الخطر يطال الجميع ولا يوفر احداً، وفي الخلاصة يمكن القول انّ البلد مُتماسك حتى الآن.

ثالثاً، انّ احتمالات الحرب العسكرية المباشرة من قبل الولايات المتحدة ضد «حزب الله» منعدمة بالكامل، على رغم انّ بعض حلفاء واشنطن يدفعونها في هذا الاتجاه.

رابعاً، انّ الاولوية الاسرائيلية الدائمة هي محاولة سَحق «حزب الله»، ولذلك فإنّ احتمالات قيامها بحرب ضد الحزب واردة دائماً والجميع يعلم، وفي مقدمهم «حزب الله»، أنها اذا وجدت انّ الفرصة سانحة لها لشَن حرب، فستفعل.

الّا انّ احتمالات مثل هذه الحرب في هذه المرحلة تبدو ضعيفة جداً للأسباب التالية:

• انّ عنصر المفاجأة والمباغتة لأي حرب اسرائيلية ضد «حزب الله» قد انعدم، والحزب كما يبدو دخل في جهوزية استثنائية.

• انّ اسرائيل، وحتى الآن، لا تضمن ان تحقق انتصاراً على «حزب الله» في اي حرب تشنّها عليه، ولو كانت كذلك لما تأخرت لحظة عن شنّ الحرب، ولكانت قامت بها امس قبل اليوم. طالما انها غير مطمئنة من تمكّنها من تحقيق انتصار او إنجاز لن تذهب الى حرب على رغم كلّ الصراخ الذي يصدر على لسان المستويات الاسرائيلية.

• انّ اسرائيل تتجنب الهزيمة، وهي لا تفكر باليوم الاول للحرب، بل باليوم الثاني، وما اذا كانت المبادرة ستبقى في يدها، ام انها ستسقط. وباعتراف قادتها، لا تريد ان تكرر فشل العام 2006، خصوصاً انها امام عدو يمتلك قدرات صاروخية هائلة، وقدرات وخبرات قتالية عالية. ما يعني انّ القتال الحقيقي مع الحزب لم يبدأ بعد.

• انّ اسرائيل تدرك انّ الحرب على «حزب الله» في لبنان، قد لا يبقى نطاقها محصوراً ضمن النقطة الجغرافية اللبنانية، بل يمكن ان تتجاوزها. فخلافاً للعام 2006 التي قاتلها فيها الحزب، من الناقورة الى شبعا، فإنّ اي حرب محتملة ستكون فيها الجبهة مفتوحة من الناقورة الى الجولان وربما الى ما بعد الجولان، خصوصاً مع الكلام الاخير للسيد حسن نصرالله الذي هدّد فيه انّ اي حرب مقبلة مع اسرائيل قد تفتح الاجواء لمئات الآلاف من المقاتلين في المنطقة.

(من أفغانستان، الى باكستان، الى ايران الى العراق فسوريا ولبنان) معنى ذلك انّ الجبهة ستكون جبهتين وربما اكثر، علماً انّ اسرائيل تعاطت بقلق كبير مع كلام سابق للسيد نصرالله حينما توجّه الى مقاتلي الحزب داعياً إيّاهم الى ان يكونوا جاهزين لتلقّي الأمر لاقتحام الجليل.

هذه المسألة كانت من المفاجآت التي يخبئها «حزب الله»، وقد أجرى الاسرائيليون سلسلة مناورات تحاكي اقتحام المستوطنات، فماذا لو كان «حزب الله» مخبّئاً مفاجآت في عيارات أثقل من اقتحام المستوطنات؟

تعليقات: