لجرارات الزراعية المحملة في قرى بنت جبيل
بنت جبيل ــ
يعدّ ارتفاع أكلاف الزارعة في بنت جبيل ومرجعيون من الأسباب الرئيسية لانقراض بعض الزراعات، كما لم تسهم الجمعيات ووزارة الزراعة في تنمية القطاع، فكانت النتيجة مشكلات اجتماعية متفاقمة
تعاني قرى بنت جبيل ومرجعيون، ندرة المزارعين وانقراض بعض الزراعات الأساسية القديمة التي كانت تشغل الكثير من الأهالي منذ عشرات السنين. العدس والذرة والشعير وغيرها من الزراعات، لم يعد لها وجود في القرى الجبلية الجنوبية بعدما كانت مصدر رزق أساسي لأبنائها، حتى إن زراعة القمح تراجعت كثيراً إلى حد أنها أصبحت مهددة بالانقراض. وقد كانت الهجرة والنزوح والطمع بالربح السريع الأسباب الأساسية التي دفعت الأهالي للتخلي عن الأراضي الزراعية، إضافة الى الحرب والاحتلال والقنابل العنقودية، وجاء الغلاء الفاحش للمازوت والأسمدة العضوية واليد العاملة لينهك المزارعين الجنوبيين، فكان التخلي نهائياً عن زراعة حقولهم بالحبوب والتمسك فقط بشتلة التبغ والاهتمام بأشجار الزيتون القديمة التي لا تزال تدر عليهم جزءاً من الدخل الذي تدنى الى حد أوصلهم الى حالة الفقر المدقع.
لا جمعيات ولا وزارة
وتقتصر زراعة غالبية المزارعين اليوم في بنت جبيل ومرجعيون على بعض الحقول الصغيرة التي تؤمّن بعضاً من مؤونة السنة دون الاتكال على البيع والإنتاج الزراعي الإضافي. فالمحراث اليدوي لا كلفة له، وأوراق البصل الأخضر والبقدونس، وحبات البندورة الجبلية لا غنى عنها في الحياة القروية. أمّا الزراعات الأخرى التي تحتاج الى مساحات واسعة، فلا حاجة إليها نظراً لعدم الإفادة من إنتاجها المكلف.
ولم تعمد غالبية الجمعيات المنتشرة بكثرة في الجنوب، وخاصة بعد حرب تموز، الى الاهتمام بالتنمية الزراعية التي من الممكن أن تكون باب الرزق الأساسي للأهالي في تلك القرى إذا جرى دعمها بشكل جيد وممنهج. أما وزارة الزراعة، فيبدو أنها فضلت النزوح أو الهجرة مع أبناء القرى، لتبتعد عن هموم المزارعين ومشكلاتهم.
خدمات غير مجانية
ويقول أحد مزارعي بلدة مركبا، إن «زراعات العدس والباقية والذرة والقمح أصبحت مكلفة جداً، ولم يعد لها وجود هنا، فتركيز المزارعين أصبح على زراعة التبغ والزيتون، حتى إن ذلك لا يكفي جزءاً من دخل المزارعين، وإذا لحق بالموسم ضرر بسبب البرد أو الحرب لا يعوّض على أصحابه كما حصل في حرب تموز 2006 والصقيع القاتل في العام الماضي، رغم أن هناك من يرسل بعض المتخصصين للكشف على الأضرار الزراعية لكن دون جدوى». ويذكّر عطوي أن معظم المزارعين فقدوا مواسمهم في حرب تموز، وهو وحده خسر ما يعادل 4 ملايين ليرة وخسر موسمه بسبب الصقيع في العام الماضي ولم يعوّض عليه حتى الآن. ويؤكد أن سعر الأسمدة العضوية ارتفع من 20 ألف ليرة الى 30 ألف ليرة للشوال الواحد، أمّا سعر المازوت، فحدّث ولا حرج».
وعلى الطريق العام لمركبا عديسة تسترعي انتباهك لافتة تشير الى وجود مركز قريب للخدمات الزراعية تابع لوزارة الزراعة، في منطقة تكاد تكون قاحلة من الأشجار الخضراء على الحدود مع فلسطين المحتلة. لكن سرعان ما تكتشف أن الخدمات الكثيرة التي يقدمها المركز الذي أنشأه عام 2002 الاتحاد الأوروبي ونفّذه معهد تعاون الجامعات في ايطاليا، لا يقدم خدماته مجاناً، وأسعاره قريبة الى أسعار السوق. واللاّفت وجود ثلاثة جرّارات زراعية كبيرة تُستخدم لنقل المياه وفلاحة الأراضي الزراعية بأسعار تقل عن سعر السوق بـ5 آلاف ليرة. إضافة إلى وجود معصرة للزيتون قديمة نسبةً إلى المعاصر المستحدثة في بعض القرى الأخرى، ومصنع لشمع النحل الذي يعيد صنع الشمع المستخدم في أقفار النحل بسعر 3000 ليرة عن اللوح الواحد بدل 8000 ليرة من سعره الأصلي. مع تأمين نقل الزيتون من المنزل الى المركز مجاناً في قضاء مرجعيون. كما أن كلفة فلاحة الدونم من الأراضي الزراعية 25 ألف ليرة، وهي تقل فقط 5000 ليرة عن سعر السوق، ويعود سبب ارتفاع الكلفة الى أن الجرّارات الزراعية كبيرة وهي إيطالية الصنع وكلفة إصلاحها غالية، وليس هناك من يدعم المركز بأيّ كلفة إضافية، ما يضطر الموظف القيّم على المركز إلى شراء حاجته من السوق، إضافة إلى كلفة المازوت الباهضة.
لا وجود للدعم
ومركز الخدمات هذا من أصل ثلاثة مراكز، اثنان منها في بنت جبيل وحاصبيا، تقدّم الخدمات نفسها بأسعار متشابهة. وهي جميعها الآن تحت إشراف جمعية الشبان المسيحية المتعاقدة مع وزارة الزراعة. وتعتمد هذه المراكز على ما تحصل عليه من أموال لتنمية أعمالها، لكن المشكلة عند حصول أي عجز أنّه ليس هناك من يغطي ذلك كما يشير أحد المهتمين بالمراكز، الذي طالب بضرورة تجهيز هذه المراكز بالمعدات اللازمة، وخاصة الجرارات الزراعية الصغيرة ذات الكلفة المنخفضة لكي يجري تأمين خدمات بأقل كلفة للمزارعين، «فالمبدأ هو العمل والتوفير مع عدم الخسارة، لأنه ليس هناك من يدعم مالياً هذه المشاريع بعدما أُنشئت وجهّزت».
تعليقات: