ميراي بعد الحادث.. وفي صورة زفافهما
قلة قليلة في سن الفيل تعرف منزل جوزف خليل الخوري، ابن القبيات. قلة قليلة جداً، باستثناء ابن بلدته داني زريبي الذي يعمل شرطياً في بلدية سن الفيل. وجوزف، "زوزو"، الذي لم يتجاوز عمره الـ29، عريس جديد، كما يروي جاره رياض جريج. ارتبط منذ اربعة اشهر فقط بحبيبته ميراي التي شارفت الانتهاء من سنتها الرابعة في كلية ادارة الاعمال في الجامعة اللبنانية. هي ايضا، لم يتجاوز عمرها 22 سنة.
يعمل "زوزو" من الفجر الى النجر دهّاناً، ليؤمن لزوجته التي اخذها "خطيفة" سقفاً وربما براداً وغسالة بالتقسيط، وحاجات الحياة اليومية في زمن لا يكفي فيه الحُب ليبقي الناس على قيد الحياة.
في شارع مدام سعد المتواضع، حيث البيوت متراصة متلاصقة، ينظر الناس الى منزل الشاب على سطح المبنى الابيض، آسفين على مصير "آدمي" جديد سقط مصادفة في انفجار لا ناقة له فيه ولا جمل. كان مجرد عابر سبيل. عائلته كلها في القبيات. والدته، التي تزوره بين الحين والآخر لتزويده المونة الجبلية، لم تبلغ بمقتل ولدها الا امس. اما ميراي فانتظرت طويلاً اتصالاً منه، بعدما ابلغ اليها الجيران انه ربما كان في أحد مراكز التحقيق يدلي بإفادته لأنه شهد الحادث... لكن ساعات الانتظار زادت قلقها، فطلبت من جارها شربل نخلة مرافقتها الى موقع الانفجار لتفتش عن زوجها، علماً منها أنه غالباً ما يسلك طريق الدورة - الكرنتينا هرباً من زحمة السير. دخلت ميراي المنطقة الامنية المقفلة، فتشت طويلاً فلم تجد السيارة، ولم تتعرف الى اي دليل يشير الى احتمال مرور "زوزو" في ذلك المكان. لكن ما لم تدركه هو ان سيارته هي التي تلقت الانفجار، الذي حولها كومة حديد ورمى بجوزف وزميله فؤاد محمد كمال عبس وبغسان حسين علي اشلاء في الهواء.
وميراي التي تصالحت مع عائلتها أخيراً، لم يخطر لها ان تعود بسرعة الى احضانها مكسورة الخاطر، متشحة بالسواد. كان اول من امس يوماً عادياً، افاقت في السابعة، قبلت زوجها. لم تودعه. قلبها يحترق لانها لم تودعه، ولأنها بعد رحيله لم تجد منه شيئاً تضمه اليها. لم تعرف الا امس ان حبيبها صار ضرراً جانبياً آخر في انفجار آخر، عندما جاءت اليها والدتها تطلب منها ان تتحلى بالقوة والشجاعة، وان ترافقها الى المستشفى للتعرف الى "العلامات الفارقة" لديه. "شو هالآخرة، يلمّوا اشلاء. هيدي آخرة؟" لم تعد تبكي. بكت كفاية، لكنها لم تعبر عن حزنها كله بعد. لم يمض على زواجها الا اشهر قليلة، هي التي تعرف ابن ضيعتها وتحبه منذ ثلاث سنوات: "قررنا ان نتزوج في الثاني من ايلول. يومها كان الناس في الطرق يستقبلون ابطال الجيش العائد من انتصاره (في مخيم نهر البارد). همّ زوزو ان ينشئ عائلة مسيحية صالحة (...)".
تصمت، تلوح على اطراف ثغرها شبه ابتسامة، لكن عينيها الزرقاوين تحملان حزن العالم كله. جوزف قضى ومعه فؤاد عبس الذي ترك وراءه طفلة عمرها 18 شهراً، وغسان حسين علي، السوري الجنسية. كان الثلاثة في السيارة نفسها في طريقهم الى ورشة.
اما الجثث فلن تسلم الى ذويها قبل استكمال التحقيق ووصول فريق اميركي في الساعات الـ24 المقبلة، على قول شقيق ميراي ميشال فارس، القابع في مستشفى مار يوسف حتى اشعار آخر.
لا تريد ميراي من احد شيئاً. لا تطلب الشفقة ولا التعاطف. جل ما تريده ان "يخلصنا السياسيون" من قرفهم ومشاداتهم فيما الابرياء يسقطون في الطرق وينساهم الناس في اليوم التالي، او بعد الدفن.
مشكلة الناس في هذا البلد انهم ينسون. يسجلون اسماء جوزف وفؤاد وغسان، وقبلهم شارل، وقبله كثر على الواح الصابون، او في دفاتر النسيان. قد يضعون صورهم لفترة على زجاج سياراتهم. لكنهم بعد ذلك ينسون. وتستمر الحياة، بقلوب مكسورة، ويتامى وارامل اضافيين. تكر السبحة. غدا يوم آخر. اما عناوين الصفحات الاولى ونشرات الاخبار فلم تعد تحمل جديدا
تعليقات: