لم يكن عمرو موسى سوى تاجر شاطر يروّج بضاعته في بيروت. البضاعة جيدة لكن المشكلة في الزبون الذي هو بحاجة إليها لكنه يريد ان تكون بمثابة جائزة له وبدون مقابل.
هذا هو واقع مغادرة عمرو موسى بيروت دون نتائج تذكر ووصول المبادرة العربية الى طريق مسدود، فالقوم في بيروت معارضة وموالاة اتفقوا على ان يكون ميشال سليمان رئيسا لجمهوريتهم لكنهم اختلفوا على كيفية وصوله والطريق الذي عليه ان بسلكها لكي يصل الى قصر الرئاسة في بعبدا.
الموالاة اعلنت ترشيح سليمان دون شروط لكن المعارضة طالبت بان يكون الثمن سلة متكاملة من التفاهم السياسي تبدأ بتشكيلة الحكومة مرورا بتسمية قائد الجيش وصولا الى قادة الاجهزة الامنية. وهو ما قال عنها البطريرك الماروني بانه ماذا يبقى اذن لرئيس الجمهورية؟
وبين اعلان مواعيد جلسات الانتخاب وتاجيلها اجتمع العرب وقرروا اطلاق مبادرة تفسيرها واضح وفق موسى الذي كلف بتسويقها، تقول بان الموالاة لا تسيطر على النصف زائد واحدا في التشكيلة الحكومية. ولا تحوز المعارضة على الثلث الضامن او المعطل بينما يكون الصوت الوازن لرئيس الجمهورية.
ومع بدء موسى جولته في بيروت انفجرت بوجهه حرب تفسيرات للمبادرة التي جدد موسى قوله انه فسرها 20 مرة وليس في وارد تفسيرها مجددا. لكن المعارضة تمسكت بتفسير خاص يقوم على المثالثة يتساوى فيها الجميع في الحكومة موالاة ومعارضة ورئيس الجمهورية... ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل فتحت المعارضة النار على موسى على خلفية اتهامه بالانحياز للاكثرية، فيما اطيح بالانجاز الوحيد الذي توصل اليه موسى في بيروت وهو جمع النائب سعد الحريري والعماد عون بعدما تغيب عون عن اللقاء الثاني بعدما توعك عون نتيجة التهاب في المسالك البولية واكد ان توعكه سيطول وهو ما فهم ان اللقاءات مع الحريري توقفت، خصوصا وان عون كان قد سبق توعكه بكشف ما اسماها وثيقة تقول بان الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان مع توطين الفلسطينيين لان التوطين يشطب ديون لبنان.
وهكذا طارت المبادرة العربية وغادر موسى خالي الوفاض على وقع الكلام عن انتقال الازمة اللبنانية الى اروقة التدويل في مجلس الامن الدولي. وايضا وسط مؤشرات تدل ان المعارضة ليست مستعجلة لملء الفراغ الرئاسي لاسيما وان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان قد نبه الموالاة من المراهنة على متغيرات اقليمية لان المتغيرات ستكون لصالح المعارضة.
ويدل المشهد اللبناني على ان الحل مؤجل حتى تنضج الظروف الاقليمية والدولية وبالتالي تكتمل عناصره التي بالطبع تختلف عن مكونات العرقلة. فهو بعكس الحرب التي تحتاج دائما الى جهة واحدة فيما الحلول كرقصة التانغو تحتاج الى اكثر من جهة. ومن اواضح ان عمرو موسى غادر بيروت وفي جعبته الكثير الكثير من الانطباعات عن صعوبة الازمة اللبنانية وتعقيداتها معيدا الى الاذهان الكثير من اسلافه الموفدين العرب في اكثر من مرحلة في تاريخ لبنان وهم يعلنون عن اسفهم لعدم نجاح مهماتهم التي اشبه ماتكون بمهمة في حقل الغام.
والمؤسف ان اللبنانيين يودعون الحل العربي وهم يتراشقون بالاتهامات برمي المسؤؤلية على بعضهم البعض بافشال الحل العربي بينما الوقت يضيق امامهم لبقاء الاهتمام االعربي والدولي على هذه الحال من الزخم لان هناك استحقاقات اقليمية ودولية في الاشهر المقبلة ستجعل لبنان بالتاكيد بندا متاخرا على اجندة الاهتمام.
وتذهب المعارضة الى تبرير فشل لحل العربي الى القول ان موسى جاء الى بيروت على أساس فرض انتخاب الرئيس وترك تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب الى مابعد الانتخاب، وهذا لايصح في ظل عدم الثقة بفريق الموالاة. وان موسى حاول اللعب في دائرة الغموض من خلال فكرة إعطاء ضمانات غامضة قابلة للتأويل لاستدراج المعارضة إلى قبول ما رفضته في السابق بفعل إصرارها على سلة متكاملة. لكن إصرار المعارضة على موقفها المبدئي وتمسك الرئيس نبيه بري بفهمه الدقيق لنص بند الحكومة الذي تردد انه استشير بشأنه قبل إدراجه في النص العربي أحبط محاولة استدراج المعارضة إلى أزمة سياسية مستمرة بعد انتخاب العماد سليمان فانتقل أمين عام الجامعة مباشرة إلى تبني تفسيرات الموالاة للبيان العربي والتي رددتها منذ اليوم الأول: لا ثلث ضامن للمعارضة ولا نصف زائد واحد للموالاة، في حين أكد الرئيس بري رفضه لهذا المنطق الذي تبناه أمين عام الجامعة العربية وأصر على أن النص يعني المثالثة وإلا فليجتمع واضعوه لتفسيره وهو ما رفضه موسى.
ومن المؤكد ان المعارضة قد فقدت ثقتها ايضا بموسى بوصفه بالمناور الذي انكشفت مناورته ولذلك هدد بالتدويل الذي يبدو مخططا جديا وقد يتحرك في أي لحظة وان فرنسا تتولى المهمة كالعادة بناء على تكليف أميركي. والمرجعية التي ستحكم التحرك في مجلس الأمن ستكون تعذر انتخاب الرئيس اللبناني على الرغم من التوافق على مرشح محدد أجمعت عليه القوى والأطراف السياسية وبالتالي التأسيس على سابقة المحكمة الدولية بتكريس مفهوم لبنان دولة فاشلة يحل مجلس الأمن الدولي محل مؤسساتها الدستورية.
وتعتبر المعارضة ان المبادرة العربية مجرد عتبة لهذا المخطط وبالتالي فهي مرتبة لتفشل ولتنقل الملف الرئاسي إلى مجلس الأمن بغطاء وربما بطلب عربي أيضا.
* كاتب لبناني
تعليقات: