العقار تحول صراعاً انتخابياً (خالد الغربي)
«عمليةُ بيع عقار المليوني متر مربّع التي تمّت اشاعتها في بلدة كفرفالوس الجزّينيّة أخيراً، لم ولن تتم». هذا ما بشّرت به النائب بهيّة الحريري أهالي منطقة جزّين يوم الأحد، في 26 تشرين الثاني، بعدما تمكّنت من إيقاف الصّفقة والغاء الرّخصة التي استحصل عليها المستثمر محمد الدّنش من وزارة الداخلية، "كرمى لعيون أبناء جزّين الأعزاء".
صفقةٌ قيل عنها كثيراً، وسرعان ما تبيّن أنّ إثارتها بالشّكل الذي حصل لا يعدو كونه صراعاً انتخابياً شرساً داخل البيت الواحد. ففي وقتٍ تحدّث نائب التيار الوطني الحر زياد أسود عن إشراف وتغطية زميله نائب التيار أمل أبو زيد، وبمساعدة منسّق جزين السابق في التيار رئيس اتحاد البلديّات خليل حرفوش، صفقة بيع حصّة فهد رفيق الحريري إلى الدّنش لقاءَ رشوة ماليّة، ينفي أبو زيد هذا الادّعاء جملةً وتفصيلاً، مستغرباً في حديثٍ إلى "المدن"، الحديث عن تورّطه في هكذا عمليّة تتمّ بين مسلمَين سنّي وشيعي. فـ"ما دور المسيحيين أصلاً في الموضوع؟ وهل يصدّق مروّجو هذه الشائعات المغرضة أنّني ممّن يسعون وراء مبلغ مئة أو مئتي ألف كعمولة سمسرة؟".
تمكّن الدنش، الذي أشيع أنه مقرّب من حزب الله فيما هو من مؤيّدي الرئيس نبيه بري، من الاستحصال على الرّخصة المطلوبة للعقار من وزارة الداخلية، التي تشير إلى أنّ "الموافقة كانت على تنفيذ الأعمال المطلوبة في العقارات من رقم 141 إلى رقم 155، مع ما يتطلبه المشروع من أعمال حفر وتكسير صخور ونقل الفائض من المواد المستخرجة لاستخدامها في مشاريع لمصلحة الدولة ومشاريع تنموية أخرى، وذلك إلى حين انتهاء أعمال المشروع".
وتحت عنوان "تأمين طريق للأراضي الزراعية التي ينوي استحداثها"، تقدّم الدنش من بلدية كفرفالوس، عبر شركة "زينة"، بطلبٍ لشقّ طريق بين كفرفالوس وصفاريه، علماً أنّ هذه الطريق هي وفقاً للمخطط الحقيقي طريق رديفة للطريق الأساسية، مشيراً إلى أنّ ذلك يهدف إلى نقل الصخور من كفرفالوس إلى بسري، حيث سيقام سدّ بسري الذي رسا على الدّنش. إذ يتعذّر على الشّاحنات استخدام طريق السيارات نظراً إلى الكميات الكبيرة من الصخور التي تتطلّبها عملية تشييد السّدّ.
ووردت معلومات تفيد بأنّ عمليّة شقّ الطريق تأتي في إطار التمهيد لمشروع سكني ينوي الدّنش تشييده على تلال ماروس التي اشتراها والتي تمتد بين كفرفالوس وصفاريه. إزاء هذا الواقع، سارع أسود إلى التعبير عن مدى اتّساع الهوّة بينه وبين التيار الوطني الحرّ. فكتب على صفحته الخاصّة في فايسبوك، معتبراً أنّ "تضييع البوصلة للإرضاء السياسي أوصل الأمور إلى هنا". وإذ رأى أن "الخفّة والتبجّح بالإنجازات والمفاوضات العقيمة معروفة النتيجة أساساً، لا يغيّر من وطأة الواقع الحالي". ولفت أسود إلى أنّ "مراجعة بسيطة بموضوعيّة للمواقف والخروقات تبيّن الخطأ والسّبب والمسبّب".
غير أنّ حجّة استصلاح أراضٍ زراعية لم تقنع المجلس البلدي، فاعترض أعضاؤه على المشروع ولم يذيّلوه بتوقيعهم. ويؤكد أبو زيد أنه بالتوازي، سعى وحرفوش، وبعد التشاور مع مجموعة من أبناء جزين، إلى شراء العقار المذكور، منعاً لقيام هذا المشروع التخريبي لبيئة جزين الصحيّة ولبُنية المنطقة وطبيعتها وواقعها، تحت ستار استصلاح تلال ماروس. إلّا أنّ عملية البيع لم تتم بسبب عدم التوصل إلى سعر مناسب للطرفين. لكن أبو زيد بقي في المرصاد، وبادر إلى الاتصال برئيس بلدية كفرفالوس، بول الشماعي، طالباً إليه التشدّد في منع إقامة وتشييد مجمعات سكنية في العقار، رافضاً تشويه المنطقة.
أبو زيد تقدّم وحرفوش بدعوى أمام القضاء المختص حيث ادّعيا شخصياً على كل من سرب أخباراً كهذه وكل من يظهره التحقيق على علاقة بموضوع هذا الخبر العاري تماماً عن الصحة، إلى حين جلاء القضية واتضاح المفسدين الذين يسعون إلى النيل من سمعتهما وسمعة التيار الوطني الحر.
الثلاثاء، في 28 تشرين الثاني، خرج أسود إثر اجتماعه بالنائب بهية الحريري، مهلّلاً بإغلاق ملف بيع العقار وكأنّه راعي هذا الحدث وبطله، في حين أنّه "وصل في آخر القداس"، على حدّ تعبير المسيحيين. فالنائب الحريري سبق أن أعلمت أهالي جزّين خلال اجتماعها بهم، وقبل لقائها أسود، بأنّ عملية البيع أوقفت وأن لا شيء سيحصل إلا بالاتفاق والرضى بين آل الحريري ومنطقة جزين. وهو ما أكدته الحريري، الأحد، خلال اتصالها بحرفوش، لافتة إلى أن هذا هو موقف الرئيس سعد الحريري الذي تواصلت معه لهذه الغاية، "فاذا أردتم شراء العقار، نحن جاهزون للبيع".
وبينما لا يزال الدّنش يجاهر بملكيّته المزعومة للعقار المذكور وأنه لن يبيعه لأيٍّ كان، يؤكد رئيس حركة الأرض اللبنانية طلال الدويهي، لـ"المدن"، أنه لم تُسجّل أي عملية بيع للعقار المذكور، لافتاً إلى أنه راجع في هذا الاطار أكثر من كاتب عدل للتأكد من إتمام العملية أم لا. ويكشف الدويهي أنّ كل ما ثبت هو الشراكة القائمة بين شركة "زينة" وأحد محامي آل الحريري وشخص من آل الدنش لاستثمار الأرض ككسّارات ومقالع لتنفيذ مشروع سدّ بسري الذي تعهدته شركة الخراط، على أن يقوم محمد الدنش بعملية التنفيذ.
وفي هذا الاطار، يُعقد السبت، في 2 كانون الأول 2017، مؤتمر صحافي في مبنى اتحاد بلديات منطقة جزين لبحث الملف وايضاح ملابساته وشرحها.
* المصدر: المدن
تعليقات: