الموظفون المصروفون.. واللجوء إلى مجالس التحكيم


لهذه الأسباب لا يلجأ الموظفون المصروفون إلى مجالس التحكيم العمال المصروفون من بنك سرادار لجأوا الى الشارع (علي علوش)

تتزايد حالات الصرف التعسفي للعاملين في مؤسسات وشركات، يعاني بعضها أزمات اقتصادية وأحياناً حالات إفلاس، فيما يعمد بعضها الآخر إلى استبدال الموظفين ذوي الرواتب المرتفعة بآخرين خريجين جدد، بحثاً عن توفير بالإنفاق المالي على الكادر البشري. ولكن في شتى الحالات يبقى العامل اللبناني ضحية الصرف التعسفي، فهل يحصل المصروفون على حقوقهم؟ وما هي الآلية المعتمدة لتحصيلها؟ وفي حال تخلف رب العمل عن إنصاف المصروفين هل من إجراءات ملزمة له بسداد متوجباته؟

حدّد قانون العمل اختصاص مجلس العمل التحكيمي بالنظر في الخلافات الناشئة عن تحديد الحد الأدنى للأجور والخلافات الناشئة عن طوارئ العمل وعن الصرف من الخدمة، والخلافات الناشئة بين أرباب العمل والأجراء وفرض الغرامات، وبالإضافة الى هذه الاختصاصات التي نص عليها قانون العمل أناط قانون الضمان الاجتماعي بمحاكم العمل أي مجالس العمل التحكيمية النظر في الخلافات والنزاعات التي قد يثيرها تطبيق قانون الضمان الاجتماعي، سواء أكانت ناشئة بين المضمونين وأرباب العمل، أو بين صندوق الضمان وأرباب العمل والمضمونين.

فمهمات الزود عن حقوق العاملين موكلة إلى مجالس العمل التحكيمية بشكل لا لبس فيه، ولكن واقع محاكم العمل نفسها يحتاج إلى إعادة النظر وإلى إصلاحات وربما إلى إعادة هيكلتها، فهي في أغلب الحالات لا تقوى على تحصيل حقوق العاملين من أرباب العمل، وإن حصل، فيكون ذلك بعد سنوات من الجلسات تصل أحياناً إلى 15 سنة، رغم أن المهلة التي حددها قانون العمل للبت بالدعاوى لا تتجاوز 6 أشهر.

يبدأ خلل مجالس العمل التحكيمية ذات التمثيل الثلاثي (الدولة وأرباب العمل والعمال) بصغر عددها نسبة إلى أعداد الدعاوى المقدمة أمامها سنوياً. ففي حين تسجل مجالس العمل التحكيمية سنوياً مئات الدعاوى (ما لا يقل عن 50 دعوى شهرياً في بيروت فقط)، لا يتجاوز عدد غرفها 18 قبل أن ترتفع إلى 24 غرفة مؤخراً. يضاف ذلك إلى النقص الفادح في عدد القضاة والتباطؤ في التعامل مع قضايا العمال، إذ لا تعقد مجالس العمل أكثر من جلسة واحدة أسبوعياً ناهيك بتعطلها في كثير من الظروف كالتأخير في إقرار مراسيم تعيين ممثلي العمال وأصحاب العمل.

ولا ننسى مساهمة ممثلي العمال في مجالس العمل التحكيمية في كثير من الحالات بتأخير البت بالأحكام بسبب جهلهم بقانوني العمل والضمان وافتقادهم إلى أي تدريب وتثقيف نقابي وقانوني. ولا ننسى المماطلة بإصدار الأحكام التي تعود إلى ضغوط أرباب العمل وممثليهم.

تشكل تلك العوامل ضغطاً على العمال يدفعهم غالباً إلى التخلي عن السعي لتحصيل حقوقهم عبر مجالس العمل التحكيمية، لاسيما أن القانون وإن جرى تطبيقة فإنه في أفضل حالاته لا يمنح العامل المصروف تعسفاً أكثر من بدل أجرة 12 شهراً بحسب المادة 50 من قانون العمل اللبناني.

لذلك يتجه العمال المصرفون لاسيما بحالات الصرف الجماعي للنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم وهو ما حصل مع موظفي بنك سرادار الذين صرفوا تعسفاً وتقدموا بدعوى أمام مجلس العمل التحكيمي وانتهى بهم الأمر بالشارع يتنقلون من اعتصام الى آخر دون تحصيل حقوقهم حتى اللحظة.

الحال المتردية لمجالس العمل التحكيمية دفعت بالاتحاد العمالي العام إلى مواكبة حالات الصرف التعسفي وتأمين استشارات قانونية مجانية وتوفير الدعم في تحركات ميدانية لتحصيل الحقوق. وهو ما يشكّل اعترافاً واضحاً بعجز محاكم العمل عن إنصاف العمال.

عجز محاكم العمل لا يخفى على قيادة الاتحاد العمالي العام، إذ أقر بها رئيس الاتحاد بشارة الأسمر في حديث إلى "المدن"، وأكد في المقابل سعي الاتحاد إلى تحسين وضعها بعد تمكنه من تحقيق مطلب زيادة غرف المجالس في انتظار تعيين القضاة الجدد وتسمية ممثلي الاتحاد بعد اخضاعهم لدورات تثقيفية على قانوني العمل والضمان، على حد تعبير الأسمر.

إلا أن حقوق العمال بحسب الأسمر لا تقف عند أبواب مجالس العمل التحكيمية، إذ إن هناك أرباب عمل كمصرف سرادار، بحسب الأسمر، لا يكترثون لأي أعراف أو قوانين في تحديد حقوق عمالهم المصروفين. ويصف الأسمر المادة 50 من قانون العمل بـ"المجحفة" فلا يمكن لحكم قضائي أن يمنح العامل أكثر مما تجيزه هذه المادة في حين أن بعض المصروفين، ومنهم المصروفون من سرادار، تتجاوز حقوقهم أجر 12 شهراً بكثير.

أمام عجز مجالس العمل التحكيمية عن تحصيل حقوق العمال كاملة وفي فترات قصيرة لم يعد امام العامل المصروف تعسفاً سوى سلوك طريق التفاوض والتسليم لرب العمل أو اللجوء إلى محاكم العمل والانتظار لسنوات.

* المصدر: المدن

تعليقات: