لا يورانيوم منضباً أو مخصباً في عينات الخيام

مراجعة علمية للنتائج السابقة وقياسات جديدة تظهر بالأرقام أسباب التناقضات.

لا يورانيوم منضباً أو مخصباً في عينات الخيام لكن التركيز الطبيعي في التربة عالِ

كتبت المحررة العلمية

بعد تسعة أشهر على انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأت تتكشف حقيقة قضية الحفر التي أحدثتها الصواريخ الإسرائيلية في بلدة الخيام والشكوك التي دارت حول إمكانية احتوائها على اليورانيوم كنتيجة للقصف. فقد دفعت إثارة «السفير» للموضوع في 29 تموز الماضي جهات عدة لإجراء تحاليل على عينات من مناطق مختلفة من لبنان نتج عنها تضارب في نتائج التقارير المتنوعة التي تناولت هذه القضية.

واليوم، تنشر «السفير» تقريراً أخيراً أعدّه الخبير في الفيزياء النووية الدكتور محمد علي قبيسي يثبت فيه أن لا وجود لليورانيوم المنضب في حفر الخيام التي دارت الشكوك حولها. وكان قبيسي قد أظهر في تقرير سابق وجود نسب طبيعية لليورانيوم في عدد من قرى الجنوب (نشرته السفير في 4/1/2007) في حين بقيت الشكوك تحوم حول حفرة الجلاحية في الخيام، والتي ظهرت فيها نسب عالية من الإشعاعات. وقد تمكّن قبيسي، في آخر النتائج التي حصل عليها وننشرها اليوم، أن يثبت بالأرقام أنه لا وجود لليورانيوم المنضب أو المخصب في حفر الخيام. كما أظهر أسباب التناقض في النتائج التي ظهرت بين تقارير برنامج البيئة في الأمم المتحدة والتقرير البريطاني لكل من الخبيرين البريطانيين كريس باسبي وداي ويليامس بالإضافة إلى تقاريره السابقة، في حين لم يتطرق إلى تقرير مجلس البحوث العلمية التي بقيت أرقامه غير معلنة.

وأكدت النتائج الجديدة أن سبب وجود نسب إشعاعات عالية في بلدة الخيام، كان قبيسي أول من رصدها في 20 آب الماضي، تعود إلى ارتفاع طبيعي في نسب اليورانيوم في تربة هذه المنطقة بالمقارنة مع المناطق المحيطة، مع العلم أنه من غير الممكن الجزم في ما إذا كانت هذه النسب قابلة للاستغلال اقتصادياً من دون إجراء مسح جيولوجي شامل.

وجاءت النتائج التي حصل عليها الدكتور قبيسي جراء تحليل عينات خاصة به في مختبرات «هارويل» البريطانية، حيث كان فريق الخبيرين البريطانيين باسبي ويليامس قد أجريا فحوصهما أيضاً وتحدثا في حينه عن وجود آثار ليورانيوم مخصب.

وقد فند قبيسي في تقريره أسباب الاختلافات في النتائج، كما شرح سبب ظهور أرقام في تقرير الأمم المتحدة تشير إلى وجود إشعاعات عالية في حفرة الخيام من دون أن يرافقها أي تفسير لهذه الظاهرة، مع العلم أن التقرير الأممي نفى وجود اليورانيوم المنضب أو المخصب على الرغم من ارتفاع هذه الإشعاعات.

حتى الآن بقيت قضية وجود اليورانيوم المنضب أو المخصّب الذي يمكن أن يكون قد نتج عن قصف الصواريخ الإسرائيلية للأراضي اللبنانية عرضة للأخذ والرد وتساورها الشكوك عند المجتمع العلمي والمدني معاً. فنتائج القياسات المخبرية العلمية متضاربة سواء في دقتها أم في الطرائق المستعملة التي نتجت عنها تلك القياسات. فالقياسات التي قمنا بها سابقا باستعمال تقنية مطيافية «غاما»، التي تجزئ أشعة «غاما» المنطلقة من اليورانيوم إلى عناصر طاقتها، دلت على وجود يورانيوم منضب مع هامش خطأ لا يسمح بجزم تلك النتيجة، لأن هذه التقنية، كما ذكرنا في مقالة سابقة، غير دقيقة إلا عند وجود إشعاعات عالية في العينة التي تمّ قياسها وتركيز مرتفع نسبياً لكمية اليورانيوم المنضب في العينة.

وأظهرت عينة الخيام مثلاً، والتي أحدثت ضجة في المجتمع المدني والعلمي، وجود يورانيوم أكثر بكثير مما هو معروف عادة في الطبيعة، بحسب ما أوردنا سابقاً في مقالاتنا على صفحات جريدة السفير، وكما ورد في التجارب العلمية التي قمنا بها على العينات الترابية التي أخذناها من بلدة الخيام وهو ما فعله أيضاً فريق برنامج الأمم المتحدة للبيئة والفريق البريطاني الذي أنجز قياسات على عينات من بلدة الخيام وغيرها في مختبرات هارويل البريطانية.

وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة، قد أخذ من لبنان في المرحلة الأولى عينات غبارية على شكل لطخات على ورق لاصق، مستعملاً تقنية مطيافية الفصل الكتلوي(mass-spectroscopy) لذرات نظيري اليورانيوم U-235 و U-238 . هذا العمل أنجز في مختبرات «شبيتز» التابعة للجيش السويسري.

إن تأليف النسبة بين كمية هذين النظيرين الناتجة من استعمال هذه التقنية، هي مقياس لتركيز اليورانيوم في المحيط الطبيعي أو الصناعي أو الاثنين معاً. وقد نشرت هذه المؤسسة الأممية في المرحلة الأولى نتائج قياساتها لتلك النسب التي دلت نتائجها على عدم وجود يورانيوم منضب يمكن أن يكون قد نتج عن القصف الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. هذه النتائج تناقضت لاحقاً مع ظهور نتائج الفريق البريطاني المؤلف من كريس باسبي وداي ويليامس الذي ادعى بوجود يورانيوم مخصب في حفرة الخيام وفي غبار «فيلتر» سيارة الإسعاف في الضاحية الجنوبية التابعة للهيئة الصحية الإسلامية. ويجب التذكير هنا بأن الفريق البريطاني استعمل تقنية الفصل الكتلوي لذرات اليورانيوم نفسها المذكورة أعلاه، وذلك في مختبرات هارويل البريطانية والمعروفة بدقة عملها ومصداقيتها عالمياً. هذا التناقض في النتائج بين الفريقين أحدث بلبلة وجدلاً في ذهن المجتمع اللبناني كما أثار شكوكاً في معطيات تلك النتائج عند الفريقين.

في خضم هذا الجدل كنت أقوم بقياسات لعينات ترابية في مختبرات أوروبية، منها مختبرات معهد الطاقة الذرية التابع لجامعات النمسا، وذلك باستعمال تقنية مطيافية أشعة «غاما»، حيث أظهرت النتائج التي حصلت عليها بأن هناك إمكانية وجود يورانيوم منضب في حفرة الخيام في منطقة الجلاحية. وكانت تقع هذه القياسات ضمن هامش الخطأ التجريبي وبقيت موضع جدل وشكوك مبررة. وأظهرت نتائج عينات غبار أخذناها من على سطوح بنايات عالية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقمنا بفحصها بطريقة مطيافية ألفا عدم وجود يورانيوم منضب فيها. لقد ذكرت سابقاً بأن تقنية أشعة «غاما» لا تملك قياساتها الدقة العالية كما هو الحال عند استعمال تقنية الفصل الكتلوي أو تقنية قياس أشعة «ألفا» المنبثقة من اليورانيوم.

بناء على قيام هذا الشك والجدل العلمي الصادر عن تلك القياسات المتناقضة، قام فريق الأمم المتحدة في مرحلة لاحقة بزيارة منطقة الخيام لأخذ عينات من حفرة الخيام في الجلاحية والتي كانت مادة هذا الجدل. في ذلك الوقت كانت تلك الحفرة مطمورة برمل من محيطها، لذا قرر الفريق حفرها وأخذ عينات منها على أعماق مختلفة، وكنت موجوداً هناك أراقب تلك العملية. وعلى عمق ثلاثة أمتار تقريباً بدأ تسرب مياه ينشأ من قعر الحفرة فأخذ الفريق عينة منه، كما أخذ عينات ترابية من محيط الحفرة وعلى مسافات تتراوح بين متر واحد وسبعين متراً من الحفرة وذلك لفحص تلك العينات في مختبرات «شبيتز» في سويسرا. كما أخذ الفريق البريطاني الذي رافق فريق الأمم المتحدة عينات مائية وترابية من تلك الحفرة.

وفي نشرة لاحقة أصدر فريق الأمم المتحدة للبيئة نتائج فحوصاته لهذه العينات، حيث تبين أنه لا وجود لليورانيوم المنضب في تلك المنطقة، وأثبت مرة أخرى، كما وجدنا نحن، بأن نسبة إشعاعات اليورانيوم كانت عالية جداً في تلك الحفرة بالنسبة للمحيط الطبيعي. هذه النتائج لهذا الفريق نرفقها في الجدول رقم (1) والتي سأناقش محتواها أدناه.

داخل أروقة الأمم المتحدة في جنيف

في هذا الوضع من التناقضات قامت إحدى الجمعيات السويسرية والتي كانت مهتمة بمأساة الوضع اللبناني بترتيب ندوة حول هذا الموضوع في إحدى قاعات أروقة الأمم المتحدة في جنيف لمناقشة تلك التناقضات أمام ممثلين عن جمعيات حقوق الإنسان العالمية، حيث دعيت للمشاركة في تلك الندوة وإيجاد حل وتوضيح لمشكلة وجود اليورانيوم المنضب أو المخصب على الأراضي اللبنانية وتأثيراته الصحية. كان الاهتمام بلبنان واضحاً كما كان الحضور كثيفاً نسبياً. وحضر أيضاً الفريق البريطاني وعلماء آخرون من ألمانيا والنمسا وسويسرا.

في تلك الندوة لم توضح مشكلة اليورانيوم ولم يستطع الفريق البريطاني تبرير وجود اليورانيوم المخصب اللهم عرض بعض النظريات والافتراضات التي لا تصمد أمام المنطق. إذن لم يبق أمامي إلا المبدأ القائل: «التجربة أم اليقين» والذهاب إلى مصدر منبع النتائج المشكوك في أمرها، أي الذهاب إلى مختبرات هارويل البريطانية والقيام بقياسات عينات ترابية من حفرة الخيام وغيرها من الحفر في الجنوب.

في رحاب مختبرات هارويل

في هذه المدينة المختبراتية التي تعجّ بالفكر التجريبي والنظري اجتمعت بالخبراء الذين يقومون بالقياسات وطلبت رؤية الأجهزة والتفاصيل حولها وطريقة القياسات المستعملة في تقنية ألفا وتقنية الفصل الكتلوي. وكنت أثناء وجودي في الندوات التي دعيت إليها في جنيف وزوريخ أخبرت عن وضع مختبرات «شبيتز» السويسرية فأمكن المقارنة. هنا في هارويل وجدت التحليل الكيميائي نفسه للعينة الترابية، الأجهزة نفسها فيما يخص الدقة والحداثة نفسها في القياسات، البرامج نفسها، ولكن أين الفرق ولماذا اختلفت النتائج؟

تفرض خبرة أربعين سنة في مجال البحث العلمي والأكاديمي عليك أن تطرح هذا السؤال. وكان الجواب بأن خبراءهم يحللون العينات كما تأتيهم من الباحثين وأنه عند الوصول إلى نهاية التحليل الكيميائي للعينة، حيث تتجمّع كمية اليورانيوم للعينة التي تمّ قياسها في سائل كيميائي، تؤخذ كمية من هذا السائل وتحقن في غاز البلازما الحراري. والعادة هي بأن تحقن عينة السائل مرة أو مرتين فقط فيما يخص العينة الترابية. أما التفسيرات العلمية فإنها تترك لمرسل العينة، وهنا تكمن الاستقلالية الشريفة للباحث العلمي والمصداقية وحرية الفكر. لكنني طلبت من الخبراء قياس عيناتي الترابية عشر مرات، وليس مرة واحدة، لكل عينة واحدة وذلك للحصول على إحصائيات دقيقة. كما قبل الفريق إعطائي القياسات المفصلة لمخارج الكمبيوتر (data output) ونتائج العدادات التي تقيس ذرات اليورانيوم المنفصلة. وقد فعلت هذا لعلمي بأن السياسة حول موضوع اليورانيوم تفعل فعلها في النتائج للتستر على همجية الحروب التي تقوم بها بعض الدول في اعتداءاتها على الشعوب الأخرى. ومازحت الفريق في المختبر متسائلاً ما إذا كان الرئيس بلير يتدخل في هذه الأمور، فكان الجواب حاسماً: نحن مؤسسة علمية وليس هناك اي تدخل سياسي. أنت في دولة كانت إمبراطورية في الماضي وعليك أن تفكر في كل شيء. وبعد الحصول على تلك النتائج، قمت بتحليلها ومقارنتها بنتائج الأمم المتحدة ونتائج الفريق البريطاني.

النتائج النهائية

قد يكون لعرض النتائج العلمية بشكل مبسط عواقبه من ناحية الدقة والتوضيح. لذا ستستعرض الفقرات التالية جداول القياسات مع التوضيحات اللازمة والاستنتاجات النهائية بشكل مبسط على أن تقدم النتائج بشكل علمي تفصيلي في مجلة علمية متخصصة.

أـ نتائج قياسات فريق الأمم المتحدة للعينات الترابية المأخوذة من الحفرة A في منطقة الجلاحية:

في الجدول رقم (1) نعرض نتائج قياسات عينات الخيام، حيث يبين الجدول كمية ذرات اليورانيوم لكل من النظائر U-235, U234, وU238 في الكيلو غرام الواحد للتربة كما نعطي النسبة المئوية ((U-235/ U238 لهذين النظيرين بناء على قياس كمية كل منهما والمأخوذة من جداول قياسات فريق الأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن النسبة المئوية الطبيعية لهذين النظيرين هي 725,.0 لذا فإن نتائج النسب المعطاة في الجدول تدل على عدم وجود يورانيوم منضب أو مخصب في تربة حفرة الخيام، غير أن زخم الإشعاع النووي من مادة اليورانيوم يبقى غير طبيعي.

ب ـ زخم الإشعاع النوعي لنظائر اليورانيوم في حفرة الجلاحية في الخيام:

لكي نستطيع المقارنة بين القياسات التي قمنا بها، وخاصة نتائج تقنية ألفا، بتلك التي حصل عليها فريق الأمم المتحدة وإعطاء القيمة الإشعاعية لكتل اليورانيوم المذكورة في الجدول رقم (1)، قمت بتحويل القيمة الكتلية لتلك الكميات إلى قيمة إشعاعية. هذه النتائج نعرضها في الجدول رقم (2)، حيث قيمة الإشعاع تقاس بـ«بيكرل» لكل كيلوغرام (وحدة البيكرل تمثل طلقة واحدة من الإشعاع في الثانية). نلاحظ من الجدول أن الإشعاع يزيد كلما ذهبنا نحو العمق في الحفرة وثم يتناقص في القاع وسنشرح هذه الظاهرة في الفقرات اللاحقة.

يجب التوضيح هنا أنه أثناء الانحلال اليوراني (أي ذرة اليورانيوم U-238) تتولد ذرة نظير الثوريوم 4h-23 من ذرة اليورانيوم U-238 ومن الثوريوم يولد اليورانيوم .U-234 وعندما يكون هناك توازن بين هذه الذرات في الحالات الإشعاعية الطبيعية، تكون كمية الإشعاع المنطلقة من الذرتين U-238 و U-234 متساوية (وليست كمية كتلتيهما)، وبذلك تكون نسبة كمية الإشعاع بينهما تساوي واحداً في الحالة الطبيعية. أما في حال وجود يورانيوم منضب فإن هذه النسبة تزيد عن واحد بسبب دخول عنصر اليورانيوم المنضب إلى المحيط الطبيعي كما تفعل الصواريخ المجهزة بمادة اليورانيوم المنضب.

الجدول رقم (2) لقياسات الأمم المتحدة يظهر النسب للعينات المأخوذة من منطقة الجلاحية وكلها تظهر عدم وجود يورانيوم منضب أو مخصب في تلك العينات، ما عدا واحدة، وهي الأخيرة، حيث نسبة كمية الإشعاع تزيد عن واحد (A(U238)/A(U234)=1.30) مما يدل على وجود يورانيوم منضب في حين أن القياس الكتلي لتلك العينة يدل على وجود يورانيوم طبيعي وسنفسر هذه الظاهرة أدناه.

ج ـ نتائج قياساتنا في مختبرات هارويل:

في الجدول رقم (3) نقدم نتائج القياسات لعينات عدة، منها عينة الجلاحية والتي أنجزناها في مختبرات هارويل. ويتبين أن نسبة اليورانيوم بين الكمية الكتلية للنظيرين U-235 و U-238 لجميع العينات تساوي النسبة الطبيعية، أي 0.725 ضمن هامش الخطأ، كما هو الحال في عينات فريق الأمم المتحدة. أما الجيد في هذه القياسات فهو أن كمية وزن الكتلة لليورانيوم لكل من النظيرين الناتج من مختبري هارويل و«شبيتز» متساوية (أنظر الملاحظة المرفقة بالجدول) مما يدل على دقة القياسات في المختبرين ومصداقية النتائج التي حصلت عليها بطريقة مستقلة عن نتائج الأمم المتحدة. كما نجد في جدول قياساتنا للعينة المأخوذة من منطقة الدردارة بأنها تطابق قياسات فريق الأمم المتحدة.

د ـ قياسات العينات عن طريق تقنية ألفا: وتحرياً للدقة ومصداقية البحث قمنا بقياسات للعينات باستعمال مطيافية ألفا. ويقدم الجدول رقم (4) نتائج هذه القياسات وقيمة النسبة بين النظيرين U-234 و U-238 والتي تساوي واحداً في حال اليورانيوم الطبيعي. هذه النتائج تدل أيضاً على عدم وجود يورانيوم منضب في العينات المذكورة في الجدول ما عدا عينة الحفرة الاصطناعية المذكورة أعلاه والتي تعطي نتائجها القيم نفسها التي ظهرت في جدول فريق الأمم المتحدة للعينة رقم (5)، والتي أخذت من على عمق ثلاثة أمتار ما يتوافق مع عمق حفرة الصاروخ المجاورة.

تفسير التناقضات في النتائج

أـ قضية الفريق البريطاني:

قد يكون سبب إدعاء الفريق البريطاني للدكتور كريس باسبي بأنه وجد يورانيوم مخصب يعود إلى وقوع خطأ فني قياسي أثناء قياس عينته في مختبر هارويل حيث وقعت قيمة قياساته ضمن هامش الخطأ التجريبي. وقد توصلنا إلى هذا التفسير بناء على ما حدث أثناء قياساتنا بالجهاز نفسه الذي قيست به عينة باسبي. إذ أنه أثناء قياس إحدى العينات عشر مرات، شذت واحدة من هذه العينات العشرة وأعطت ما يدل على وجود يورانيوم مخصب. وهو ما حدث في عينة أو عينتين. فقياس العينة ببث كمية سائل محتوى اليورانيوم في البلازما مرة واحدة فقط، قد يوقع الباحث في الخطأ. لذا أعتقد أن هذا ما حدث لفريق الدكتور باسبي. لذلك كان قراري ببث كمية السائل اليوراني في البلازما عشر مرات، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحاشي تلك الأخطاء.

ب ـ قضية القياس الشاذ للعينة المأخوذة من قاع حفرة الصاروخ ومن قاع الحفرة الاصطناعية:

كان هدفي من القيام بحفر حفرة موازية وقريبة لحفرة الصاروخ اتخاذ هذه الحفرة كمرجعية لقياسات حفر الصواريخ القريبة منها. لقد كانت النتيجة أن الإشعاعات التي نشأت من عينة حفرة الصاروخ في الجلاحية تساوي ضعفي الإشعاعات الناتجة عن عينة الحفرة الاصطناعية.

لذلك، كانت نتائج العينات التي أخذت كل منها من قاع حفرتها منسجمة، أي أن النسبة U238/U234 تساوي 1.3 والسبب أن المستوى الأرضي لكل من الحفرتين كان هو نفسه. زيادة على ذلك، فقد لاحظنا أن قاع الحفرة الاصطناعية كان رطباً جداً عند حفرها، وهذا ما ظهر أيضاً في الحفرة الصاروخية عندما حفرها فريق الأمم المتحدة، حيث برز تسرب للماء الذي أخذ أيضاً كعينة لفحصها في مختبرات «شبيتز» السويسرية، حيث أظهرت نتائج فحص هذه العينة أن نسبة محتوى اليورانيوم فيها كان طبيعياً. إذن لماذا كانت النسبة الإشعاعية U238/U234 لليورانيوم التي حصلنا عليها من قياسات فريق الأمم المتحدة ومن قياساتنا بتقنية ألفا لا تساوي قيمة واحد بل كانت تساوي 1.30 كما يظهره الجدول رقم(2)؟

الجواب يرجع إلى مسلك تحرك وذوبان عناصر اليورانيوم والثوريوم في الماء أو الرطوبة. فعنصر اليورانيوم U234 تزيد قابليته على التحرر في الماء أثناء نشاطه الإشعاعي أكثر من مولّده (أي مصدره) اليورانيوم U238 مما يسهل رحيله من محيط هذا الأخير وبذلك ينقص وجوده في العينه وتصبح قيمة النسبة لوجود اليورانيوم U238 أكثر، وهذا ما أعطته القياسات، مما يوحي بوجود يورانيوم منضب. هذه الظاهرة نراها في نتائج تقنية الفا لعينة الحفرة الإصطناعية كما هو واضح في الجدول رقم (4) وفي حفرة الصاروخ كما هو واضح في جدول رقم 2 لقياسات الأمم المتحدة.

نتائج فحص المياه في الحفرة الصاروخية رقم B

على بعد عشرين متراً من الحفرة المرموز لها بـ (KO-7A) في الجدول رقم ,3 والتي دار حولها الجدل، كان هناك بيت قصفه الإسرائيليون ولم يبق منه سوى حفرة عميقة قامت مكانه. على مقربة من تلك الحفرة مرّت قساطل المياه التي تغذي المدينة. وعند القصف، تحطمت أنابيب المياه وسال الماء إلى قلب الحفرة. من هذه الحفرة أخذنا عيّنة تراب من على حافتها وعينة ماء ملوّث من قلبها. كما أخذنا عينة ماء من المياه التي تغذي بلدة الخيام وذلك لمقارنة نتائج فحص الماء الملوّث بقرينه النقي. هذه النتائج نعرضها في الجدول رقم 3 للعينة (KO3WH) حيث نجد أن كميّة اليورانيوم في عيّنة المياه الملوّث تفوق 14 مرّة عن الكمية الموجودة في عيّنة مياه الشرب، مما يدلّ على أن اليورانيوم في تلك التربة قد اختلط بالمياه الآسنة في تلك الحفرة.

خلاصة النتائج

لقد برهنا بالأرقام عن طريق القيام بتجارب وبحوث علميّة على عينات ترابية ومائية أخذت جميعها من أماكن عدة لحفر أحدثتها الصواريخ، بأنه لا يوجد يورانيوم منضّب أو مخصّب ناتج عن الحفر الصاروخية التي تمت دراستها وتسبب بها القصف الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية. كما عالجنا التناقضات في القياسات «التي ظهرت بين نتائج فريق الأمم المتحدة والفريق البريطاني ونتائجنا مع العلم أن قياساتنا هذه أجريناها في مختبرات هارويل البريطانية ذات الثقة العالية. وتبين من خلال هذه الدراسات أن نسبة تركيز اليورانيوم وكثافته في منطقة حفر الخيام عالية وتصل إلى 14 ضعفاً عن محيطها وهو ما يترجم ارتفاعاً في نسب الإشعاعات الطبيعية. وقد ظهر ذلك منذ أن استخدمنا جهاز القياس «غايغر مولر» في 20 آب 2006 ثم في القياسات التي قمنا بها والتي قامت بها الأمم المتحدة.

٭ أستاذ جامعي وباحث علمي

بريد إلكتروني makobeissi@yahoo.com

هذه المقالة هي جزء من بحث علمي محض وكاتب هذا المقال هو المسؤول الوحيد عن محتواه

تعليقات: