لن يتجاوز رد الفعل العالمي على القرار الأميركي سوى بيانات التحذير من التداعيات السلبية لتلك الخطوة (رويترز)
«إنها محاولة أميركية واضحة لفرض «الشرق الأوسط الجديد» تكون فيه إسرائيل هي السيّدة على المنطقة بأسرها... والبداية من القدس وفلسطين والهدف الأساس إيران»... هذه الخلاصة تصل اليها شخصية خبيرة في السياسة الأميركية، في تقييمها لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية اليها.
تنطلق هذه الشخصية في تقييمها لقرار ترامب من القول إنّه من السذاجة القول انّ هذا القرار كان مفاجئاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ذلك انّ ترامب، وعلى ما تقول شخصية خبيرة في السياسة الأميركية، كان يملك ما يكفي من عوامل لخرق الخطوط الحمر التي توقّف عنها أسلافه، منذ قرار هاري ترومان الاعتراف بدولة إسرائيل.
ولعلّ ما جعل الرئيس الأميركي يُقدم على هذه الخطوة الشديدة الخطورة، هي عوامل دفع كثيرة ومتعددة المستويات. تلخّصها الشخصية المذكورة بالآتي:
- أولاً، في الداخل، لا شك في أنّ ترامب مدعوم بقرار إسرائيلي - صهيوني بامتياز يؤمّن حماية سياسية مطلقة لسيّد البيت الأبيض، المحاصر بالمنظومة السياسية -العسكرية الحاكمة، وبإجراءات الكونغرس والمحقق الفدرالي بشأن الدور الروسي المفترض في حملته الانتخابية، من خلال دَغدغة مشاعر اللوبي اليهودي، وامتداداته الصهيو-أميركية في الـ«استابليشمانت» الأميركية.
ثانياً، في الخارج، لا مكابح كان يمكنها وقف القرار، فالعرب من المحيط الى الخليج منقسمون بين صراعاتهم الداخلية وصراعاتهم بين بعضهم البعض. وبالتالي، في ظل هذا الوهن الذي تعيشه الأنظمة العربية فإنّ ردّ الفعل الشعبي المتوقّع قد لا يتجاوز صوَر وعبارات التنديد البيانية، وفي أحسن الأحوال خروج بعض المسيرات التضامنية، التي سرعان ما تتراجع وتضمحل وتعود الى الغرق مجدداً في هموم اليوميّات العربية السوداء.
وهذا الموقف العربي، ربما ينطبق على باقي دول العالم، التي لن يتجاوز ردّ فعلها على القرار الأميركي بشأن القدس، سوى بيانات التحذير من التداعيات السلبية لتلك الخطوة على عملية السلام في الشرق الأوسط، مع التشديد، بالطبع، على ضرورة استئناف مفاوضات التسوية، التي ستكون، بطبعية الحال، بشروط إسرائيلية بَحتة، يعزّزها تغيير الحقائق على أرض الواقع، لا سيما في الملف الاكثر حساسية في عملية التفاوض، وهو القدس.
- ثالثاً، انّ ما هو أخطر من الموقف العربي، هو في انتقال بعضه من العجز والتخاذل، إلى الشراكة الواضحة - حتى لا نقول التآمر- التي بدأت تَتكشّف معالمها، منذ ما قبل الإعلان المدوي لترامب عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة.
تبعاً لذلك، تقول الشخصية الخبيرة في السياسة الأميركية، إنه بعيداً عمّا سَمّتها «العَنتريات» العربية، التي بدأت تتبدّى في بيانات الاستنكار والتنديد التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، والتي ستبلغ ذروتها في اجتماع تقليدي مفترض للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؛ وبعيداً أيضاً عن النقاش المتوقع داخل مجلس الأمن الدولي، والذي قد يُنتج، في سقفه الأعلى، بياناً باهتاً، كالعادة، فإنّ خطوة ترامب تفتح المجال أمام فصل جديد في القضية الفلسطينية، قد يكون الأكثر خطورة منذ قرار التقسيم الصادر في العام 1947.
وتكمن خطورة قرار ترامب، تضيف الشخصية المذكورة، في كون هذا القرار يفرض عملياً شروط التسوية السلمية على فلسطين حتى قبل طرحها رسمياً في جولات التفاوض المستقبلية، والتي لن يتأخر الإعلان عنها في المدى المنظور، طالما أن لا شيء يَشي برَد فِعل عربي أو دولي جَدّي، من شأنه أن يوقِف اندفاعة ترامب وإدارته.
على انّ السيناريو الذي ترجّح تلك الشخصية ان يَتصدّر مسرح الأحداث، هو أن يقارب المجتمع الدولي قرار ترامب بتحفيز الفلسطينيين والإسرائيليين على الجلوس حول طاولة المفاوضات لتحريك عملية التسوية المعطّلة منذ سنوات. ولن يتأخر الوقت كثيراً حتى يبدأ التعامل مع الخطوة الأميركية باعتبارها «صدمة إيجابية» للمضي قدماً بالحل السلمي، في إطار مبادرة جديدة، والأكيد انها ستستنفر من أجلها الدبلوماسية الدولية، والأكثر من أكيد في هذا السيناريو هو انّ العرب سرعان ما سيتلقفونها بالترحيب الحار.
ما عَزّز إمكان ظهور هذا السيناريو، في رأي الشخصية عينها، هو رد فِعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على خطاب ترامب. فعباس «تَريّث» قليلاً في إلقاء كلمة الرد على الرئيس الأميركي، إلى حين الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد. ووفقاً لِما سرّب، فإنّ ما صدر عن عباس لم يذهب الى التلويح بخطوات تصعيدية على مستويات مختلفة، جاء من وَحي لغة الخطاب العربي العام، متضمّناً عبارات تعتبر قرار ترامب «مخالفة للقرارات والاتفاقات الدولية والثنائية»، و«انسحاباً من رعاية عملية السلام»، و«مكافأة لإسرئيل»، و«تشجيعاً لها على مواصلة سياسة الاحتلال والاستيطان» والى آخر ما هنالك من مفردات.
وأخطر ما في هذه المسألة، في رأي الشخصية المذكورة، هو الحراك السياسي التمهيدي الذي سبق لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ولعلّ عودة بسيطة الى ايام قليلة خَلت، تُظهر جملة من التسريبات التي حفلت بها الصحافة الأجنبية، والاميركية على وجه الخصوص، وتقاطعت في معظمها في الكشف عن ترتيبات أميركية - عربية، (بمشاركة دول عربية كبرى) للتصفية النهائية للقضية الفلسطينية.
تقول الشخصية نفسها انّ صدقية هذه التسريبات ظهرت جَلية في موضعين:
- الاول، في ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية لِما وصفتها «بنود خطة» توافرت لها ممّا سَمّتها الصحيفة مصادر رسمية فلسطينية وعربية وأوروبية، ويفيد عن تَلقّي رئيس السلطة الفلسطينية اقتراحاً من مسؤول عربي كبير بالتخَلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية مقسّمة إلى عدد من المناطق ذات حكم ذاتي، على أن تبقى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية «ملكاً» لإسرائيل، وبحيث تكون بلدة أبو ديس، وليس القدس الشرقية المحتلة، عاصمة للدولة المقترحة.
واللافت في ما أورَدته «نيويورك تايمز» إشارتها الى المفاجأة الكبرى التي أحدَثها اقتراح المسؤول العربي المذكور في الشرق الأوسط وحتى لدى مستويات أميركية، وإبرازها الى جانب ذلك ما وصفتها تفاصيل محادثة بين المسؤول العربي وعباس في احدى العواصم العربية، حيث تلقى الأخير ترغيباً بِمَده أموال طائلة وبترهيب وصل الى حَدّ التلويح بدفعه الى الاستقالة، في حال رفض هذا العرض!
- الثاني، في ما نشرته صحيفة «هآرتس» قبل فترة عمّا سَمّتها خطة لوضع القيادي المفصول من» فتح «محمد دحلان على رأس حكومة وحدة وطنية في قطاع غزة، على نحو مُتزامن مع رفع معظم الحصار عن القطاع.
وإذ تَلفت الشخصية الخبيرة في الشأن الأميركي الى النفي العربي لهذه التسريبات، تقول انّ هذا النفي ينفيه ما قاله جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، أمام منتدى «صابان».
فزوج أيفانكا ترامب، كما تلفت الشخصية عينها، معروف بقُربه من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان الأكثر صراحة في الإضاءة على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث اعتبر انّ هذه الخطوة ليست سوى بداية لتنفيذ خطة أكبر، تحدث عنها ترامب في عدة مناسبات ووَصفها بالصفقة النهائية، وذلك من أجل حل قضية الشرق الأوسط، التي بدونها لا يمكن التركيز على قضايا أخرى، مثل وَضع حَد لطموحات إيران النووية، ومواجهة الإيديولوجيات المتطرفة، ولذلك يجب التركيز على حل القضية الكبرى».
في الخلاصة، تقول الشخصية الخبيرة في الشأن الأميركي، انّ الهدف الأساس إنهاء القضية الفلسطينية، واذا نجحت هذه المهمة التي انطلقت فعلاً بقرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، سيتمّ التوَجّه الأميركي الاسرائيلي الى لعب الورقة الاخيرة، أي مواجهة ايران، بالشراكة الكاملة مع بعض دول الشرق الأوسط التي تعتبر ايران عدوة لها.
تعليقات: