عادة، يتزايد إقبال الناس على الأسواق والمجمعات التجارية، والمحال المختلفة، مع اقتراب الأعياد، لكن اللافت هذا العام تهافت اللبناني على المهرجانات والحفلات الميلادية المجانية، إذ يقصد المواطنون الشوارع والساحات والأسواق التجارية التي تلبس زينة براقة، وتتزين بشجرة ميلادية عملاقة فقط لالتماس حس الاعياد التي تغزو اجواءها كل ازقة البلد، فالحالة المعيشية بالكاد بإمكانها "تمرير" الشهر.
بطبيعة الحال، عام بعد عام تشهد الاسواق اللبنانية تراجعا ملحوظا جراء الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني على كافة الصعد، بدءاً من الظروف الامنية والسياسية الهشة وصولا الى الازمات الاجتماعية التي يعاني منها البلد. لكن في موسم الاعياد هذا تتبدل الأحوال، إذ يُعرف هذا الشهر بالـ"High season"، نسبة لانتعاش الحركة في الاسواق الراكدة، وبروز حركة اقتصادية، وتجارية، وسياحية لافتة.
قصد "ليبانون ديبايت" الاسواق اللبنانية ورأى عن كثب كيفية الحركة هذا الموسم. فعلى الرغم من ازدحام الشوارع والزحمة الخانقة على الطرقات، حيث تتوافد العائلات لتأمُّل شجرة ميلادية عملاقة ما او المشاركة بحفل ميلادي مجاني، تشهد الاسواق تراجعاً غير مسبوق في حركتها نسبة للسنوات السابقة. أوّل ما يلفتك على أبواب المحلات التجارية الصغيرة منها والكبيرة هي التخفيضات على الاسعار والعروض التي عادة ما تبدأ بعد مرور هذا الشهر وليس خلاله... فماذا يحدث؟
يتحدث اصحاب المحلات عن التحضيرات التي قاموا بها لاستقبال العيد كونه أكثر الاشهر ازدهارا بالنسبة لهم. فالزبائن تنهال عليهم عادة لشراء ألبسة العيد، وحاجاتهم، والهدايا طبعا التي هي من اهم طقوس هذا العيد المجيد، شاكين ومتذمرين من بطء الحركة هذا العام، وشرحوا السبب الذي دفعهم إلى بدء موسم التخفيضات باكرا لجذب الزبائن، وتفعيل حركة محلاتهم. يقول أحد مالكي المحلات في سوق جبيل "إذا هيدا الشهر ما اشتغلنا، يعني راحت علينا".
والوصف الذي اتفق عليه معظم اصحاب المحلات في السوق هو "الحركة السنة مش قد نص السنة الماضية لا بل اقل". وبعيدا عن محلات الالبسة والاحذية والالعاب، حتى محلات الاجهزة الالكترونية التي تنتظر شهر الهدايا لتعوض عن كل السنة، تعاني، إذ يشتكي احد مالكيها في اسواق الجديدة قائلا "مثل هذه الفترة من العام الماضي بلغ عدد الاجهزة المباعة حوالي الـ 45 جهاز خليوي، لكن هذا العام، بالكاد بلغ الـ 5 حتى الآن، الحركة تحت الصفر، العالم تبحث عن من يديّن، العالم طفرانة".
تبدّلت الأيام التي ينتظرها التجار لكسر الركود الاقتصادي، فعوضاً عن أن تستشفّ الأسواق تحسناً ولو طفيفاً في الحركة، بدأ الموسم مع عروض وتخفيضات ومحاولات بشتّى الطرق لجذب أكبر عدد من الزبائن، ويتراءى لك المشهد نفسه على كافة الاسواق، من البترون إلى جبيل، وجونية، والكسليك، والجديدة، وبيروت وغيرها، حالة الركود تنسحب عليها بالسواء.
ويحذّر اقتصاديون في حديث لـ"ليبانون ديبايت" من استمرار ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة مجدّداً في ظروف الركود الاقتصادي السائد "فالتراجع المستمر في حركة الاستهلاك المحلي بات ظاهرةً لا يمكن الاستمرار من دون مواجهتها بالأساليب التي تصحح تداعيات محرّكاتها الأساسية". وأشار هؤلاء إلى أن التخوف اليوم بلغ ذروته، وعلى المعنيين التحرك لمعالجة المشكلة من جميع اطرافها ومسبباتها السياسية، والأمنية، والنقدية، والضريبية، والرقابية، والاستثمارية العامة والخاصة (الداخلية والخارجية)، والوظيفية لما يمتّ بالقدرة الشرائية للأسر اللبنانية.
تعليقات: