طرقات التهريب تنشط على خط خروج السوريين من لبنان (لوسي بارسخيان)
لم يكن الخروج من الأراضي اللبنانية خلسة بالنسبة للمواطن السوري نعيم الدوماني بيسر دخوله إليها، قبل نحو تسعة أشهر. إذ وقع الدوماني ضحية لغم أرضي زرعته الجهات السورية على حدودها غير الشرعية مع منطقة المصنع الحدودية. ما استدعى بتر رجله اليسرى في مستشفى البقاع، الذي نقل إليه في حالة حرجة، بعدما كان قد تواعد مع عائلته المقيمة في القنيطرة السورية بلقائها في الليلة نفسها.
في تفاصيل الحادث، يروي الدوماني أنه غادر مكان سكنه في منطقة العبيدية قرابة السادسة من مساء الثلاثاء، في 19 كانون الأول، مع قناعة واضحة لديه باستحالة خروجه من لبنان عبر معبر المصنع الشرعي، كونه دخل إلى لبنان خلسة.
والدوماني ليس نازحاً سورياً، ولا هو مقيم في لبنان بصفة نازح، إنما يتردد إليه بصفته عاملاً في البناء. فمنذ العام 1990، كانت اقامته شرعية بكفالة أحد أرباب العمل، إلا أنه قبل تسعة أشهر تعذر عليه ايجاد كفيل، فدخل لبنان عبر معابر التهريب، مواجهاً مصير الآلاف من مواطنيه الذين يقطنون في لبنان ويعملون فيه بطريقة غير شرعية.
بدأت رحلته مع نحو 40 مواطناً سورياً في الجرود الجبلية قرابة الرابعة والنصف فجراً، عندما فوجئوا بدورية للجيش اللبناني في المكان. عندها، فر المهربون اللبنانيون الثلاثة تاركين السوريين في منتصف الطريق، بعدما تقاضوا من كل واحد منهم 50 دولاراً. ففضل الدوماني، كما يروي، طريق الأكثرية، وهو كان واثقاً من اقترابه من الحدود، عندما انفجر به اللغم.
والدوماني هو الضحية الثانية على هذه المعابر في أقل من أسبوع واحد. إذ سبقه إلى المستشفى نفسه عامر العبسي، الذي استدعت حالته نقله إلى مستشفى متخصص في طرابلس لتلقي العلاجات.
والضحيتان ليسا الوحيدين، على طرقات التهريب، التي نشطت مع بداية الأزمة السورية، لتزدهر تجارتها بعد فرض الأمن العام اللبناني اجراءات مشددة، خصوصاً لجهة شطب كل مواطن يتردد على سوريا من سجل النازحين المسجلين لدى الأمم المتحدة، ومنع دخول أعداد إضافية من السوريين إلى الأراضي اللبنانية.
ورغم تشديد الاجراءات الأمنية على بعض معابر التهريب، والتعميمات المتتالية الصادرة عن الأمن العام لتسهيل منح الاقامات لفئات من النازحين، التي صدرت توضيحات متكررة بشأنها منذ مطلع العام 2017، اللافت أن طرقات التهريب لا تزال تنشط على خط خروج السوريين من الأراضي اللبنانية أكثر منه على خط الدخول. إذ يجتاز هؤلاء الطرقات الوعرة وصولاً إلى الحدود السورية، ليعودوا ويدخلوا إلى سوريا عبر معبرها الشرعي.
بالنسبة إلى الدوماني كان العائق تجاه تسوية وضعه مبلغ 270 دولاراً توجب دفعه ليخرج من لبنان شرعياً. لكن المسجلين كنازحين، يعددون عشرات الأسباب التي تستدعي ترددهم إلى سوريا خلسة، كي لا يحرموا من صفة اللاجئ والتقديمات المتعلقة بها، والتي يبدو أنها لا تستثني حتى من يترددون إلى سوريا لتلقي العلاجات الطبية الأقل كلفة فيها.
يستغل المهربون العالمون بطبيعة الحدود ومساربها غير الشرعية مثل هذه الحاجات لدى السوريين، فيبنون عليها أرباحهم. لكن من دون أن يتحملوا مسؤولية الأرواح التي يحملونها مخاطر معابر التهريب. إذ إن معظم عملياتهم حتى الآن انتهت بترك هؤلاء في منتصف الطريق ليواجهوا مصيرهم منفردين: إما ينجون أو يقتلون.
تعليقات: