تشارَك مسؤول كبير في دولة إقليمية ومسؤول لبناني كبير، القلقَ على الانتخابات النيابية في لبنان، من دون أن يغلقا باب الاحتمالات حولها.
المسؤول الإقليمي يخشى على الانتخابات، ومرَدُّ ذلك إلى ما سمّاها «محاولات جدّية تقوم بها أطراف خارجية للإطاحة بالانتخابات، سواء في لبنان أو في العراق، وذلك في سياق لعبة موازين القوى في المنطقة، وتسعى من خلال هذه اللعبة الى منعِ تثمير الانتصارات العسكرية في ميادين الأزمات في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، وتحويل هذه الانتصارات الى وقائع سياسية حاكمة في دول المحور المنتصر، ولبنان جزء أساس في هذا المحور».
لبنان، وفي رأي المسؤول الإقليمي شهدَ واحدةً من أشرسِ فصول تلك اللعبة، التي هدّدت بإطاحة الانتخابات في هذا البلد، وقد تجلّت في ما سُمّيت «أزمة الحريري» مطلع تشرين الثاني الماضي، فقد كان الهدف واضحاً آنذاك في إحداث فتنةٍ في لبنان وخلقِ صراع خطير ومفتوح بين السنّة والشيعة، في هذه المحاولة حِيكت للّبنانيين مؤامرة كبيرة، أقلقتنا وأشعرَتنا بالخطر على لبنان، ولكنّنا كنّا سعداء ومبتهجين عندما شاهدنا اللبنانيين موحّدين في وجه هذه المؤامرة وأحبطوها بحنكة».
لكنّنا، يضيف المسؤول الإقليمي، ولأننا نعرف طبيعة بعضِ القوى الإقليمية وأهدافها، ما زلنا نخشى من بروز محاولات أخرى، مِن قبَل الاطراف التي تَعتبر نفسها متضرّرة من الانتخابات في لبنان، ومن نتائجها التي تَعتبر تلك الاطراف أنّها ستأتي لغير مصلحتها، وهو أمرٌ نحن ننصَح اللبنانيين بتوخّي المزيد من الحذر واليقظة، والتركيز على إتمام الانتخابات عندهم، والتي نأمل أن تُعبّر عما يريده اللبنانيون، وتتمخّض عن نتائج بنّاءة، تُخيّب كلَّ ما يسعى اليه أصحاب المحاولات الهدّامة».
«بالتأكيد نحن لا ننام على حرير»، يقول المسؤول اللبناني، «نحن ندرك أنّ الانتخابات تمرّ في وضعٍ دقيق جداً، يلامس نقطة الخطر، ولكن نعتقد أن لا خوف على الانتخابات، وستجري في موعدها المحدّد بعد نحو ثلاثة أشهر. لا أقول ذلك من باب الهروب من الواقع، أو القفز فوق هذا الخطر ونفي وجوده، أو التقليل من حجمه، بل استناداً إلى تقييمٍ للواقع الانتخابي وما يحيط به داخلياً وخارجياً».
في الداخل، يقول المسؤول اللبناني، ممّا لا شك ّفيه أنّ أطرافاً لا تريد الانتخابات لأنّها تَعتبر نفسها متضرّرة منها أو ستخسر، ونملك معطيات حول محاولات تجري من قبَلِ بعض القوى الخارجية لتعطيل الانتخابات.
ولكنّ هذه الاطراف بغَضّ النظر عن محاولاتها هذه وأمنياتها، عاجزة مع سائر الاطراف الاخرى عن الهروب من هذا الاستحقاق، وبالتالي الجميع يُحضّرون أنفسَهم كلٌّ على طريقته، وفق القاعدة القائلة «إعمل للانتخابات وكأنّها حاصلة غداً».
وإذا كانت بعض التفاصيل اللبنانية قد دفعت الضجيج السياسي حولها إلى إحاطة الانتخابات بهالةٍ من علامات الاستفهام السلبية على مصيرها، فيما هي في حجمها جزء من اللعبة التحضيرية للانتخابات، وليست من النوع الذي يهدّدها.
وهي تندرج ضمن هذه التفاصيل:
• الاشتباك السياسي حول أزمة مرسوم منح الأقدميات وما تفرَّع عنه من إشكالات أخرى ومحاولات لتعديل القانون الانتخابي، ومناكفات جعَلت هذه الأزمة تأخذ أبعاداً أحدثت انقساماً عمودياً وخلقت ما يسمّى «لعبة أحجام مبكرة»، ومسَّت بروح الشراكة القائمة في مرحلة ما بعد الطائف.
• الافتراق في الحسابات الداخلية بين هذا الطرف الداخلي أو ذاك، والمصالح والطموحات المتضاربة بين بعض الأطراف الداخلية، كلّ ذلك جرى، ويجري التعبير عنه بطريقة انفعالية، أو بلغة فوقية في الكثير من الأحيان تستبطن نوايا إلغائية لقوى كبرى وصغرى.
• «التعصيب» والانفعال، اللذان ينتابان شريحةً واسعة من السياسيين، جرّاء غموض القانون الانتخابي وعدم قدرة أيّ طرف على تحديد نتائجه مسبقاً، على جاري ما كان يحصل مع القوانين الانتخابية السابقة التي كانت نتائجها معلومة سلفاً، أو «صادرة» قبل فتحِ صناديق الاقتراع. وهذا الغموض يجري التعبير عنه بصوتٍ عالٍ من قبَل بعض الاطراف التي دخلت في إرباك حقيقي لم يُمكّنها من سلوك الطريق المناسب لنسجِ التحالفات وتركيب اللوائح.
• «القلق من الخسارة» الذي يأسر بعضَ الأطراف الداخلية، التي تَعتبر نفسَها متضررة من القانون الانتخابي الجديد، حيث سيُخرجها من خانةِ الربح وبالتالي تصبح خارج اللعبة، وهذا القلق هو دافعُ بعضِ الأصوات التحريضية على الانتخابات وإشاعة أجواء حول تطييرها.
كلّ ذلك، يقول المسؤول اللبناني، أمرٌ طبيعي، ويؤكّد أنّ الانتخابات حاصلة في موعدها حتى يثبتَ العكس. قد تشكّل تلك التفاصيل إرباكاً للمشهد السياسي العام وتتسبّب بتجاذبات وسجالات بين الأطراف السياسية، إلّا أنّها لا تُشكّل خطراً على الانتخابات.
وأمّا في الخارج، والكلام للمسؤول نفسِه، فثمّة كثيرون لا يريدون الانتخابات، ويرغبون في تطييرها، لكنّهم لن يتمكّنوا من ذلك، فما كتِب قد كتِب، لقد توحّد اللبنانيون في «أزمة الحريري» وتمكّنوا من تجاوزِها وربح البلد كلّه، والحال نفسُها في موضوع الانتخابات ، إذ إنّ اللبنانيين محكومون بإجراء الانتخابات وتوفير الظروف الملائمة لإتمامها في موعدها.
ولكن مع ذلك، يقول المسؤول اللبناني، عينُنا على بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي نرى أنّ الخطر على الانتخابات يتأتّى منها، والشاهد الحيّ تجلّى خلال «أزمة الحريري»، التي لو قُيّضَ لها أن تحقّق الهدفَ المرسوم لها، لَما كانت ستطيح بالانتخابات النيابية فقط، بل كان يمكن أن تدمّر البلد كلّه.
وعينُنا أيضاً على الوضع الامني الي لا نستطيع ان نقول إنّه مريح بالكامل، وعينُنا على اسرائيل بالدرجة الاولى، وإجراءاتها العدوانية على الحدود وتهديداتها المتتالية وصولاً إلى آخِر عملياتها بمحاولة اغتيال احدِ مسؤولي حماس في صيدا.
من هذا الخارج، يتابع المسؤول، يتلقّى لبنان تأكيدات أميركية وأوروبية بشكل مستمرّ عن وقوف المجتمع الدولي مع لبنان واستقراره والانتخابات التي ستجري فيه، كما تُسدى إليه نصائح متتالية بإجراء هذه الانتخابات بشفافية ونزاهة لتأتيَ ترجمةً حقيقية لِما يقرّره اللبنانيون.
لكن ثمّة ملاحظتان هنا:
• الأولى، إنّنا نثق بالموقف الأوروبي، عندما يعلن دعم الانتخابات وإجراءَها في موعدها.
• الثانية، معلوم أنّ واشنطن كرّرت أكثر من مرّة حِرصها على استقرار لبنان السياسي والأمني، والانتخاباتُ هي عنوانٌ وترجمة لهذا الاستقرار، ولكن مع إدارة دونالد ترامب، لم يعد في الإمكان الثقة بموقف الإدارة الاميركية حتى ولو أعلنت علناً أنّها مع الانتخابات في موعدها، وذلك بالنظر الى تقلّبات ترامب الذي لا تعرف أيَّ اتّجاهٍ سيَرسو عليه موقفُه.
ولذلك نحن حذِرون. خصوصاً أنّ بعض المعطيات التي نملكها تؤشّر إلى أنّه يتفهّم موقفَ بعض الدول الاقليمية الحليفة لواشنطن، والمستاءة من الواقع الانتخابي الجديد في لبنان الذي ستفرزه انتخابات أيار المقرر أن تجري على اساس قانون انتخابي غير عادل وغير متوازن ومثلُ هذا الكلام قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. كلّ ذلك يستبطن ربط نزاعٍ سلبي مع الانتخابات.
في خلاصة هذه الصورة كما يقول المسؤول اللبناني، إنّ تهديد الانتخابات ليس داخلياً، حيث لا توجد أذرُع لبنانية قادرة على أن تؤدّي فعلاً تعطيلياً للانتخابات، بل هو خارجي من قوى متضرّرة منها، تشعر بأنّها ستُمنى بخسارة كبرى بانبثاق أكثرية نيابية جديدة يَربح فيها «حزب الله» وحلفاؤه، غير الأكثرية النيابية والسياسية، التي سادت في لبنان ورَعتها تلك القوى الإقليمية منذ العام 2005، وحتى اليوم. حتى الآن يبدو التهديد نظرياً، إلّا أنّ انتقاله إلى دائرة الترجمة وتخريب الانتخابات يتطلب قراراً كبيراً وتحديداً من الولايات المتحدة الاميركية.
وبالتالي لا يمكن لأيّ طرف إقليمي أن يأخذ قراراً بتعطيل الانتخابات في لبنان بمعزل عن الأميركيين، ومن دون موافقتهم على أن يفتحوا أمام هذا الطرف الإقليمي أو ذاك بابَ تعطيلِ الانتخابات في لبنان. وحتى الآن لا يبدو أنّ ثمّة إرادةً أميركية في هذا الاتجاه.
ماذا لو دخلَ البعض جدّياً في مغامرة الإطاحة بالانتخابات؟
النتيجة الطبيعية لهذه المغامرة، ضربةٌ أكيدة للعهد، ومنظومة الاستقرار السياسي والأمني والمالي والاقتصادي والاجتماعي في البلد ستتعرّض للسقوط والانهيار، وبدل أن تكون الانتخابات عنصر استقرار ستكون مع المغامرة عنصرَ تأزّمٍ وانفجار يقود الداخلّ كلَّه إلى مرحلة طويلة من السلبيات، ويُدخِله في مخاض لا يَعرف أحدٌ إلى أين سيوصِل، وأيّ مصير سيؤول إليه مستقبلُ البلد ونظامه السياسي.
تعليقات: