يا حادي العيس ... ها هو أحمد قمر علي يكسر مهجة القلب ايضاً. ها هو يحمل قامته الممشوقة ويمضي قسراً في رحلة بلا ملامح، لا رجعة منها ولا لقاء بعدها في الدنيا.
كيف لأحمد أن ينسى كلمة الوداع، فوالده مشغول بالانتظار، ووالدته ثكلى واشقاءه ينتظرون شقيق الروح وضحكة القلب الكبير، هو لا يحب الوداع، وهو الذي رفض ان يطير كفراشة من بقعة ضوء الى اخرى، بعيداً عن هذا الوطن الذي ابتلينا بحبه وسكن فينا ودافعنا عنه بحبات القلوب وبأهداب العيون.
أبى أحمد ان يمارس طقوس الربيع من عمره، وأبى ان ينعم بريعان شبابه، وطلّته البهية، وسحر العيون الجارحة، لم يمنعه احد عن حياة المراهقة والشباب، ولم يمنعه احد من السفر في الدنيا بحثاً عن حياة اخرى أقل شقاء، بل منعه عقله الراجح واحساسه العميق بالمسؤولية اتجاه من يحب، ومنعه همّ الحاضر لأهله وهمّ المستقبل وهمّ الماضي المتراكم امام عينيه.
هو ابن المعاناة كأبناء جيله وجيل والده من قبله، هذه الاجيال الخيامية الجنوبية الهوى والانتماء والمصير، هذه الاجيال التي خبرت النزوح والجروح والدمار، وخبرت الدم المذعور في كل اتجاه، وذاقت طعم الحزن والمرارة، ولكنها ايضاً ذاقت طعم الانتصار بعد المعاناة.
دمك استمرار لدمنا وفيه قام غضب الانبياء، فالعلقم يملأ أفواهنا والصباحات الباردة بعيداً عنك تنخر العظام، والغضب جامح اكبر من الزمان واكبر من المكان، لعله غضب كربلائي يطلب الحق من يزيد عصر يفترش البيت دون حياء. آه آه لهذا الارث الذي ما علمنا الا الافتداء، وما علم غيرنا الا الاستقواء.
عذراً أحمد وعذراً علي لا بد الانتظار، وعندها سيأتي اليوم الذي لا ينفع فيه لمحو الذنوب سوى القتل او الانتحار، اليوم الذي سيعود وينتصر فيه الدم على السيف ولن يكون من بعده الا عزة وكرامة وافتخار.
في جنة الخلد يا أحمد وبعد دمك لا انكسار.
تحقيق المنار المصور مع والديّ الشهيد.
.
تعليقات: