برهن الأوصياء على القضاء بأن النبطية في آخر سلم أولوياتهم. سير العدالة معرقل بسبب النقص في عدد القضاة الذين ينظرون إلى مناطق الأطراف كمنافٍ، وأيضاً بسبب ازدواجية المناصب الموكلة إليهم. محامو النبطية مستمرون في إضرابهم منذ 22 كانون الثاني الماضي حتى معالجة الإزدواجية وتعبئة النقص
ما سر حلول محافظة النبطية في آخر الترتيب في مراسيم التشكيلات القضائية؟ وهل الأمر صدفة أم ترتيب يعكس أهمية المناطق ومن فيها بالنسبة للمعنيين في القضاء أو المراجع السياسية؟ الإنتدابات الزائدة التي امتازت بها التشكيلات الأخيرة، واقع معتاد في النبطية منذ سنوات، يضاف إليها النقص في عدد القضاة.
أما ملحق الإنتدابات الذي صدر بعيد التشكيلات بقصد تصحيح بعض الشوائب، فلم يلحظ غبن النبطية. والغبن يؤدي إلى بطء سير العدالة وتأخر إصدار الأحكام. الأزمة المستمرة دفعت بمحامي النبطية إلى البدء بإضراب عام في 22 كانون الثاني الماضي. منذ ذلك الحين، يعتكفون عن حضور الجلسات في محاكم قصر عدل النبطية ومتابعة ملفات موكليهم باستثناء الموقوفين. وبعدما تبدّدت الوعود التي وصلتهم من مجلس القضاء الأعلى بزيادة عدد القضاة، قرروا الثلاثاء الفائت تمديد إضرابهم والاتجاه الى التصعيد، وصولاً إلى تنفيذ اعتصام أمام مقر مجلس القضاء الأعلى في بيروت.
ممثل نقابة المحامين في النبطية شوقي شريم أوضح لـ«الأخبار» أن محاكم النبطية بحاجة ماسة «إلى خمسة قضاة على الأقل لتصحيح الخلل القائم»؛ هم قاض عقاري وعضو في محكمة البداية وثلاثة مستشارين في محكمة الإستئناف. التشكيلات الأخيرة انتدبت القاضي فرنسوا الياس قاضياً عقارياً وقاضياً عقارياً إضافياً في النبطية. لكنها عيّنته رئيساً للغرفة الأولى في محكمة الدرجة الأولى في الجنوب. مجلس القضاء الأعلى وجد أن القضاء العقاري في المحافظة التي لم تنجز فيها أعمال المسح والتحرير وشهدت تعدياً على المشاعات والأملاك العامة، لا تحتاج أكثر من انتداب قاض واحد لشغل منصبين اثنين. علماً بأن صيدا هي مقر القاضي العقاري في النبطية! الموقع الجغرافي وتعدد المهام انعكسا سلباً على متابعة الياس للعقارية. بحسب شريم، فإن الياس «يسيّر الأعمال الضرورية فقط، لالتزامه بمتابعة محاكم أخرى».
«الإستئناف» في النبطية لم تصدر
حكماً واحداً منذ حوالي أربع سنوات
تعدّد المهام الموكلة إلى قاض واحد سمة عدلية النبطية التي حوّلتها التشكيلات الأخيرة إلى ما يشبه العرف. على صعيد النيابة العامة الإستئنافية، أضيفت للمحامي العام في النبطية عباس جحا مهمة مستشار في محكمة استئناف الجنوب، ولنظيره المحامي العام في النبطية رمزي فرحات مهمة مستشار بالإنتداب في محكمة الإستئناف. كذلك الحال بالنسبة لكل من القاضي المنفرد في النبطية بالوكالة جيسيكا شحود التي تشغل بالأصالة منصب عضو في محكمة الدرجة الأولى في النبطية، والقاضي بالوكالة في تبنين احمد عيسى الذي يشغل بالأصالة منصب عضو في محكمة الدرجة الأولى. فيما القاضي محمد عبدالله يشغل في الوقت ذاته منصب قاض منفرد في مرجعيون وصيدا. أما المستشار المنتدب في الغرفة الثالثة لدى محكمة استئناف النبطية رئبال ذبيان، فهو مستشار في الغرفة الثانية في المحكمة ذاتها. فيما المستشار وسيم ابراهيم، انتدب مستشاراً مدنياً لدى المحكمة العسكرية الدائمة.
لكن الأزمة الكبرى في غرف محكمة الإستئناف حيث أدى تعدد المناصب إلى تضارب الصلاحيات. على سبيل المثال، فإن المستشار في «الإستئناف» حالياً وسيم إبراهيم شغل في وقت سابق منصب مستشار في محكمة الجنايات وقاض منفرد جزائي في النبطية. وعليه، فإن القانون يفرض عليه التنحي في حال ورد حكم يحمل توقيعه كقاض منفرد. القانون ذاته يطبق على رئبال ذبيان المستشار حالياً في الإستئناف والذي كان في وقت سابق قاضياً منفرداً في النبطية. أما المستشار حالياً شادي زرزور فقد كان قاضياً منفرداً في مرجعيون.
تنحّي أحد المستشارين يؤدي إلى نقص في هيئة المحكمة لا يمكن ملؤه بسبب نقص القضاة، ما يلغي عقد الجلسة وتأجيل البت بالملفات لفترات طويلة. شريم يتوقف عند أزمة الأحكام في «الإستئناف» التي لم تصدر حكماً واحداً منذ حوالي أربع سنوات، حيث تراكم حوالي 300 ملف بسبب التنحي.
المشكلة ليست في نقص عدد القضاة، إنما في توزيعهم. على صعيد محاكم لبنان، يتوزع 541 قاضياً منهم 200 في بيروت وحدها. وفي محاكم بيروت هناك 30 قاضياً منفرداً و10 قضاة تحقيق، بما يزيد عن الحاجة المطلوبة. في النبطية يقدر حجم النقص في عدد القضاة بحوالي 15 قاضياً. «لا أحد يرغب بأن يعين في النبطية» يقول شريم. البعد الجغرافي عن بيروت، مركز سكن غالبية القضاة، قد لا يكون السبب الوحيد. ذهنية المركزية تتحكم ببعض القضاة الذين يسعون لتعيينهم في محاكم بيروت وجبل لبنان، فيما الأطراف مهمشة. شريم اقترح على مجلس القضاء الأعلى «تحفيز القضاة على قبول التعيين في النبطية وإعطائهم بدل انتقال». ولفت إلى أنه أجرى استطلاع رأي بين القضاة لمعرفة استعدادهم للمجيء إلى محاكم النبطية وزود المجلس الأعلى بنتائجه لتسريع حل الأزمة!. هذا الواقع يثير تساؤلات عن كيفية وضع التشكيلات والتدخلات المسبقة التي تطرأ عليها قبل نسختها الأخيرة. مصدر قضائي شغل منصباً سابقاً في النبطية اعتبر أن «القضاة قليلو الحظوة والرعاية من قبل المرجعيات السياسية هم من يعينون في محاكم النبطية وغيرها من محاكم الأطراف»، فيما «زملاؤهم المحظيون تنقذهم واسطتهم من مشقة الإنتقال إلى مسافات بعيدة». وتوقف المصدر عن شعار «المداورة» الذي أكد كل من وزير العدل سليم جريصاتي ورئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد تطبيقه في التشكيلات الأخيرة، متسائلاً عن إمكانية تطبيق المداورة المناطقية.
تعليقات: