الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
البوشار.. لمن لا يعرف معنى هذه الكملة من الأصدقاء الأحباء على هذه الصفحة، كلمة تعني «البوب كورن» أو حبوب الذرة المقلية. هي تسمى أيضا في بعض الدول «الفشار». لا شك أن الكثير منكم تناولها على الأقل مرة واحدة في خلال مشاهدته فيلما او مسلسا تلفزيونيا او في السينما. لكن الليلة كان للبوشار نكهة سياسية خاصة في باريس.
عرض علي صديق عزيز مرافقته للقاء حول عشاء مع الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب. أنا أحب هذا المناضل الشيوعي العتيق وأقدره تقديرا عاليا لكفاحه الطويل في سياق نصرة الأساتذة والموظفين والفقراء والمهمشين والطبقة الكادحة التي صارت تضم أيضا الطبقة الوسطى السابقة في لبنان بعد أن نخر الفساد والجشع وتقاسم الجبنة، أجساد اللبنانيين ودولتهم.
ذهبنا الى العشاء في مطعم باريسي، بعد أن لعبنا أنا والزميل فيصل جلول نحو ساعتين لعبة البلياردو الشهيرة في احدى حانات باريس (وهو كالعادة يغلبني بها نظرا لطول خبرته وقلة خبرتي). كانت سماء باريس تمطر قليلا، أو لعلها كانت تدغدغ وجوهنا برذاذ خفيف كما الحبيبة تلامس وجه حبيبها أو كالأم تناغي خدَي رضيعها. وكنا قد زرنا مع صديقة سورية مكتبات باريس، وتوقفنا عند مكتبة " ابن سينا" العريقة التي يملكها الصديق والمثقف اللبناني العتيق والمحب هاشم معاوية أحد أهم أعمدة الثقافة والحفاظ على الكتاب العربي في باريس.( حاصل على العديد من الأوسمة من فرنسا طبعا وليس من عند العرب) . للأسف هذه المكتبة قد تُقفل أبوابها قريبا بسبب تضاؤل الاقبال على الكتب، وانعدام الاهتمام العربي بصرح ثقافي كمكتبة ابن سينا. الصديق هاشم هو من النوع الذي ان سألته عن موضوع سوف يُخرج لك عشرات الكتب، وينصحك بمؤلفين وأساتذة، ويشرح لك الكثير مما تبحث عنه. هو من طراز نادر من أصحاب المكتبات الذين ربما قرأوا جل ما يملكون. إن لم تشتر من عنده كتابا، فقد يهديك الكتاب، او على الأقل تشرب عنده القهوة العربية الأصيلة مع كثير من المحبة وروح النكتة التي يتميز بها أهل الأرض الصادقين.
بين البلياردو والمطر والكتب توزع يومنا، واتفقنا مع هاشم معاوية ان نلتقي في سهرة حنا غريب. هذه الأشياء البسيطة تردعنا عن الاهتمام بالسياسة، وتزرع في قلوبنا بعض الفرح بعيدا عن كذب السياسيين وريائهم. لكن حنا غريب هو من نمط آخر من السياسيين. تخيل يا عزيزي القاريء أن هذا الرجل الذي مذ كان أستاذا يجوب المناطق والطرقات والساحات صادحا بصوته ضد الظلم، بقي طيلة السنوات الست الأخيرة في ساحات بيروت وكافة المناطق يرفع الصوت ضد رموز الفساد الذي أفقروا الناس وساهموا في رفع مستوى الامراض عندهم وجعلوا الدراسة والطب والصحة رفاهية لا يطالها الا ذوو الدخل العالي.
ما علاقة البوشار بحنا غريب؟؟؟
بعد نقاش حول مائدة العشاء في مطعم لبناني في باريس. وقف حنا غريب بين الحاضرين. أخذ الميكروفون الذي يُستخدم عادة في هذا المطعم للغناء. جال بناظريه تحت شعره الأبيض على الناس. كادت ساعة يده الواسعة تفلت من يده ( مناقضة بذلك ساعات الذهب والألماس التي يحملها فاسدو الطبقة السياسية وناهبو الشعب). كان قلم الحبر ظاهرا من الجيب الخارجي لبذته التي أعتقد أنه لا يملك غيرها والتي ارتداها كي يبدو أنيقا حين لبى دعوة الحزب الشيوعي الفرنسي. ثم راح يحكي لنا فكرة الحزب الشيوعي للانتخابات اللبنانية المقبلة. كان بين الحضور ممثلون عن حزب الله وحركة أمل وبعض الأحزاب اللبنانية الأخرى.
أراد حنا غريب، أن يشرح، بصوته الصادح (الذي صقله في مئات التظاهرات النقابية والمطلبية عبر تاريخه) وبصدق كلامه، لماذا اختار الحزب الشيوعي المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة رغم رفضه مبدأ تلك الانتخابات التي لا تزال حتى اليوم، أي في العقد الثاني من القرن ٢١ تقوم على أساس طائفي، لا بل قل قبلي وعشائري كتلك التي كانت تجري في غابر التاريخ.
قال ان الهدف هو " ليس المشاركة في النظام، وانما محاربة النظام من الداخل والاستمرار في تشكيل قوة شعبية حيوية ضاغطة ". ثم شرح كيف ان الحزب الشيوعي ومنذ تقسيم فلسطين كان في طليعة من قاوم المحتل واستشهد له رجال ضد عصابات الهاغانا الصهيونية. قال أيضا كم من الشهداء قدم الحزب الشيوعي ضد إسرائيل. وحين اضطر الحزب للتخلي عن الساحة المقاومة جاء حزب الله يملأ الفراغ وهذا شيء مشكور. فهل يُعقل الا يكون الحزب في المقاومة ولا يكون في النضال السياسي ضد النظام الذي رفع معدل السرطان عند الناس ٣ مرات وطمر الشعب بالنفايات ورماه في غياهب الفقر والعوز؟. ضحك حنا غريب وأطلق جملته الشهيرة:" اذا كنا سنتخلى عن المقاومة والنضال لنصرة الناس، فلنقفل الحزب ونرمي المفتاح ونذهب الى بيوتنا ". ضحك معه الحضور وصفقوا.
قال حنا غريب أيضا: نريد ان نبقى في المعارضة. ونريد ان نفرز ونضم. صحيح هناك يساريون كثيرون او من يدّعون اليسار، لكن حين نطلب منهم ان نجتمع ضد النظام البغيض، يذهبون للترشح ويحاولون استخدامنا جسرا للنيابة. لذلك فاليسار اليوم هو كالبوشار، فيه الصالح والطالح وعلينا نحن ان ننبذ الطالح ونبقي على الصالح لكي نجتمع ونكون كتلة معارضة حقيقية.... وعلينا ان نعيد للبنان قراره وان يكون لبنان مقاومة بحق، أي ان تتولى الدولة شعار المقاومة وان نكون جميعا خلفها بكل أحزابنا ولا نترك هذه المهمة لفريق واحد كي لا يتم استفراده..... ولا نريد لبعض من يتحرك في الشارع باسم المجتمع المدني وغيره أن يخدم مشاريع أميركية او عربية مشبوهة .... نريد ان نفرز ونجمع .... وحين نفرز ونجمع يجب ان لا يقول لنا من وقفنا الى جانبه في المقاومة أن شريكه في الوطن بسبب الانتخابات هو من طعنه في الظهر عام ٢٠٠٦ ( حين حاولت إسرائيل اجتياح لبنان فصدتها سواعد المقاومين).
أعرف شخصيا أن حنا غريب يطمح الى شيء مستحيل، وان الانتخابات في افضل صورها قد تثمر عن نائب أو بعض النواب المؤيدين لخط الحزب دون ان يكونوا في الحزب، او أنها قد لا تؤدي الى انتخاب أي نائب شيوعي ، لكني أعرف ان حنا غريب مناضل حقيقي وصادق، ويستحق ان يصوت الناس لفريقه طالما هم فعلا صوت الناس الذين يريدون ببساطة ان يحسنوا ظروف حياتهم فيصبح تعليمهم وطبابتهم وقوت يومهم حقا لهم لا منّة من أباطرة المال والسياسة والفساد.....
تمتعنا بهذا اللقاء، الذي ذكّرنا بالزمن الجميل، زمن جيلي الذي كنا نحلم فيه بأن نجعل نظامنا لا طائفي وديمقراطيا وحرا وعادلا لا فرق فيه بين انسان وانسان الا بقدر ما يعمل ويجتهد.......لا بد للحلم أن يستمر .... وشكرا لك أيها المناضل الشريف حنا غريب... اما من لا يريد أن يحلم، فليبق في بيته يأكل البوشار، أشرف له من ان يبقى شاهد زور.
---------- ---------- -----------
موقع خيام دوت كوم يرحب بكافة الكتابات والآراء والإعلانات ليبقى، على مسافة واحدة من كل الأطراف، منبراً حراً للجميع وجسر تواصل بين أبناء المنطقة..
يمكن التواصل مع فريق عمل الموقع، عبر البريد الألكتروني: info@khiyam.com أو الهاتف/واتس 03/107980.
الإعلامي سامي كليب
تعليقات: