تتعدّد اللجان والدراسات وتبقى بيوت حي السراي مهددة
كثر الكلام والمشاريع على الورق. مخططات وأحلام متوقعة لأقدم أحياء مدينة النبطية، حي السرايا، قد تميط اللثام عن الوجهة التراثية فيه وتحولّه إلى مربع سياحي وتجاري، ومنها هدمه وتحويله إلى سوق مصغرة تشبه «سوليدير» بيروت.
بيد أن حبر الخرائط يبهته تواتر الأعوام. وفيما يتردّد صدى الوعود في تلك الأزقة الضيقة تنهار البيوت والجدران العتيقة التي تحوّل بعضها إلى مرتع للحشرات والأفاعي والنفايات، ما جعل قاطني الحي من أبناء المدينة والعمال السوريين، يعيشون هاجس القلق من انهيار فجائي لجدار ما، قد يؤدي إلى سقوط ضحايا، على غرار ما حصل في عام 1996، إذ انهار جدار قديم وطمر تحته زهرة نمر وهبي (41 عاماً) وحرم عائلتها وأولادها إياها.
منذ سنوات يتحدث بعض النافذين في بلدية النبطية عن مشاريع وأفكار عن مآل حي السرايا. وتتراوح الأفكار بين جرفه كلياً وتحويله إلى مركز تجاري مصغر على غرار ما جرى في «السوليدير»، أو الاستفادة من بعض «تراثياته» في مشروع سياحي وتحويل البعض الآخر إلى سوق حديثة. وقد وضعت بعض التصاميم والخرائط الأولية في عام 2004، ثم نامت في أدراج النسيان.
يقول المهندس ربيع بيطار: «كانت الفكرة أن نؤكد الهوية المعمارية التراثية للحي من خلال معالجة واجهات الدكاكين المحتضنة بخط مستقيم الطريق الرئيسية فيه على امتداد نحو مئة متر. ويمكن المحافظة على هذه الهوية من خلال تأهيل الحجر الصخري والقناطر، مروراً باستحداث بوابات خشبية ذات طابع تراثي، وصولاً إلى الوسط القديم حيث نشأت فكرة الممرّ التراثي المؤدي إلى الجهة الجنوبية للحي. وتكمن أهمية هذه الفكرة في أنها تعطي مردوداً سياحياً وآخر اقتصادياً، إذ يمكن استخدام البيوت والدكاكين مراكزَ حرفية ومقاهي ومعارض للمنتَجات المحلية... بيد أن هذا المشروع لم يعجب بعض أعضاء المجلس البلدي فوضع في الأدراج».
ويؤكد بيطار أن «بعض الخلل هو في التمويل المرتقب، الغائب أصلاً»، لافتاً إلى أن «الأكلاف المتوقعة قد تصل إلى نحو مليون دولار أميركي».
وكانت قد انطلقت بين عامي 2005 و2006 «لجنة تطوير مدينة النبطية وإحياء تراثها» من داخل بلدية النبطية، ووضعت تصوّرات تمنع جنوح الأبنية التراثية إلى السقوط، بعدما أدى الإهمال من جهة، والعدوان الإسرائيلي المتكرر عليها منذ عام 1975، فقدان أجمل هذه «التراثيات»، وأهمها السرايا العثمانية، التي كانت تتوسط حي السرايا وهدمت «طوعاً» في عام 1972.
وقد تلمست اللجنة وجود بعض الدلائل التراثية في حي السرايا، من خلال بيوت قائمة فيه، يعود بعضها لأكثر من مئة وخمسين عاماً، وأخرى تحمل شعار الدولة العثمانية. وعوّلت اللجنة على الاستفادة من بعض الأطلال في إعادة الترميم والتأهيل. وأكد الطاعنون في السنّ أن شارع الحي القديم، الممتد من وسط السوق التجارية إلى وسط الحي، هو من الحجارة السلطانية المرصوفة المبلطة، التي كانت ظاهرة حتى منتصف القرن المنصرم، وهناك بعض الدلائل المشيرة إليها.
كما وضعت اللجنة فكرة إحياء سوق ثقافية في النبطية، انطلاقاً من الحي، تمتد من مدخله الشمالي إلى تخومه الجنوبية، وتكوّن معرضاً مفتوحاً للحِرف والكتب، ومنبراً مشرّعاً أمام روّاد الشعر والأدب.
الغاية كانت إعادة النبض الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الشعبي للحي الذي شهد طفرة من الهجرة إلى خارجه، بسبب تراكم مساحات الإسمنت وضيقها، فباتت لا تستوعب العائلات التي بدأت متواضعة في بيوت تشبهها ثم تكاثرت حتى أضحت أكبر من بيوتها.
وقد أدت الهجرة إلى تضعضع هذه البيوت، وتصدعها، وصار معظمها غير صالح للسكن، أو مساكن للعمال السوريين.
أفكار «اللجنة» طويت هي الأخرى في أدراج النسيان، بينما راح بعض من في البلدية يبحث عن لجنة ثانية وثالثة، تُردّد الكلام والأحلام عينها، في ظل غياب واضح لأي فعل وأي تمويل، فيما تتهاوى البيوت، الواحد تلو الآخر، وتتسع دائرة الخطر والهجرة بين سكانه الأصليين.
تعليقات: