الكهرباء المقطوعة تنتظر وعوداً جديداً بالإصلاح (علي علوش)
تصر السلطة السياسية، عن طريق مجلس الوزراء، على زيادة تعرفة مبيع الطاقة الكهربائية عبر الإجازة لمؤسسة كهرباء لبنان وشركات امتياز الكهرباء على رفعها. وهو ما نص عليه أحد "البنود الضريبية" التي ألحقت بالموازنة، والتي ناقشتها الحكومة الأربعاء في 21 شباط 2018. على أن يبدأ استيفاء التعرفة الجديدة، "من تاريخ تأمين الكهرباء لمدة 22 ساعة يومياً".
لم تحدد الحكومة "تاريخ تأمين الكهرباء"، بل جعلت زيادة التغذية شعاراً يُضاف إلى شعار تأمين الكهرباء 24/24، الذي رفعته مراراً كل القوى السياسية التي حملت حقيبة وزارة الطاقة منذ العام 1992. وظنت الحكومة ان إنقاص ساعتين من الساعات الموعودة، قد يضفي بعض المصداقية على الوعد الجديد.
زيادة التغذية يجب أن تتم عبر خطة إصلاحية للقطاع، وهنا توقع الحكومة نفسها في الأزمة، لأن أطرافها منقسمون حول شكل الإصلاحات المطلوبة. فمنذ العام 2010، رأى وزير الخارجية جبران باسيل (حين كان وزيراً للطاقة) أن إنقاذ القطاع يتم عبر خطة تبدأ بتسليم القطاع إلى شركات مقدمي الخدمات، على أن تعمل تحت إشراف مؤسسة كهرباء لبنان ووصاية وزارة الطاقة، وترافق ذلك مع استئجار بواخر الطاقة لتزيد ساعات التغذية. وبالتوازي، يُصار إلى تأهيل المعامل البرية. وتحالف التيار العوني مع المستقبل، في هذا المشروع. والنتيجة، زيادة العجز وتراجع نسبة جباية فواتير الكهرباء، وولادة أزمة التمديد أو التجديد لمقدمي الخدمات، فضلاً عن أزمة تثبيت المياومين في ملاك مؤسسة الكهرباء. وكل ذلك دون زيادة ساعات التغذية.
في المقابل، ترى حركة أمل، وإلى جانبها القوات اللبنانية، أن خطة باسيل غير ناجحة، ويصر الطرفان على عدم الإستمرار بها، خصوصاً في ما يتعلق بإستقدام باخرتين جديدتين، بحجة زيادة ساعات التغذية.
وفي ظل وجود اختلاف في وجهات النظر، يستحيل الالتقاء على خطة إصلاحية حقيقية، خصوصاً أن الفريق العوني يؤكد أن حركة أمل تعرقل خطته ولا تريد إصلاح القطاع، وتستشهد بذلك على عرقلة وزير المال علي حسن خليل، غير مرّة، دفع المستحقات المطلوبة لمقدمي الخدمات، معللاً ذلك بعدم تنفيذهم المشاريع بالمواصفات التي تنص عليها العقود.
لذلك، يُفترض بالحكومة أن توضح ماهيّة الإصلاحات التي تتحدث عنها، ومتى يبدأ تنفيذها. وأثناء ذلك، على الحكومة أن تشرح من الذي سيمنع البدء برفع سعر التكلفة قبل رفع التغذية؟ وهذه الإشكالية وقع بها المواطنون بعد رفع المدارس الخاصة أقساطها بحجة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولم تكن السلسلة قد أقرت بعد، ولم تحاسب الدولة المدارس على زيادة أقساطها دون سبب.
رفع الأسعار مقابل زيادة الخدمات، يمكنه أن يكون إصلاحاً حقيقياً، خصوصاً إذا ترافق مع سياسة رقابية. فرفع الأسعار لن يسبب أزمة للمواطنين، لأن زيادة التغذية ستقيهم دفع فاتورة كهرباء إضافية لأصحاب المولدات الخاصة. وزيادة التغذية يستحيل حصولها ما لم تخرج مؤسسة كهرباء لبنان من عجزها. وهذا ما لن توافق عليه سلطة تطرح خصخصة المؤسسة، لأن انتشال المؤسسة من العجز سيطرح تساؤلات لاحقة بشأن جدوى خصخصتها.
والإصلاح الحقيقي، في حال أرادته الحكومة، لا بد أن يأخذ بالاعتبار وضع آلية تصاعدية لفاتورة الكهرباء، تماماً مثل الضرائب التصاعدية، كي تتمكن الدولة من حماية ذوي الدخل المحدود، وتنفيذ آلية الدفع بحسب الاستهلاك. لأن دعم الدولة كلفة الاستهلاك بصورة موحّدة، بغض النظر عن حجم مداخيل المستهلكين، يعني دفع الفئات الفقيرة فاتورة أعلى من فاتورة الفئات الميسورة. فهي بتلك الحالة تدعم السعر للجميع، في حين يجب أن تدعمه للفقراء.
تعليقات: