احدى الجلسات في ندوة ابو يوسف
بضع حطبات وشعلة نار تلوّن رمادية الدمار
بنت جبيل:
في قلب صقيع الكانونين، وجمود الحركة التجارية في أسواق ومحلات بنت جبيل، تتحول موقدة ابو يوسف (أمين دباجة) في بنت جبيل الى ملاذ للقاء وحديث وبعض الدفء. فحول شعلة تبعث في الاجسام شيئا من حماوة، يتجمع أصدقاء العمر وجيران المحلات حول موقدة جارهم ابو يوسف في صف الهوا عند مدخل بنت جبيل. يتبادلون أطراف الحديث من جميع جوانبه: الدينية والسياسية والعلمية. فتتردد في زوايا الحي مشادة أحيانا ويعلو الصراخ في أحيان أخرى وقهقهات متوالية في الكثير من الاحيان.
تبدأ «الجلسة» على موعد محدد شبه يومي، لا تأجيل ولا تعطيل إلا ما «يأتي من الله» كما يقول «مدير الندوة»، أما مقدمات هذه الندوة فتبدأ عند ابو يوســـف قبل ذلك، عندما يبدأ بالبــحث عن «الحــطب و«القشابير» وأي شــيء يمكن الاستفادة من إشعاله» في هذه الايام التي لم ير مثلها قبلا.
وفاتحة الحديث اليومي هو «الطبق» السياسي. طبعا، في تلك المناطق ليس الاختلاف في التوجهات السياسية هو لبّ الاحاديث وان كان لا يخلو الامر. لكنّ لب الحديث يدور حول «تحليلات الايام المقبلة»، وتوقعات طول الازمة وقصرها، فالازمة «لن تطول بعد كثيرا» بالنسبة لأحدهم فيما هي ممتدة الى ما بعد الانتخابات النيابية في صيف العام المقبل بالنسبة للرأي الثاني، «اذا لم تحصل انتخابات نيابية مبكرة». بعض التعليقات السريعة على أحاديث سياسية لبعض السياسيين وسرعان ما يتحول الكلام الى الطقس والبرد الذي لم تشهده هذه المناطق من قبل، مرورا بانفلونزا الطيور لتنتهي الندوة بجهة من أصقاع العالم وأحيانا يجري التطرق الى موضوع التعويضات.
ولكن بين هذا وذاك ذكريات طويلة للحاج تركي دباجة عن أيام خوال قضاها متنقلا بين بلدته بنت جبيل وأرض أحبها، هناك في فلسطين البعيدة عن متناول اليد والتي ما تزال قريبة من القلب. يستذكر الحاج دباجة مشاويره التجارية الكثيرة وتنهيدة «رزق الله تلك الايام». وحديث من الحاج عبد الله عطوي «مغترب سابق» لم تستهوه تلك الارض. هنا الاهل والاصحاب وابو يوسف طبعا. يروي الحاج عطوي الآن عن منزله الذي تهدم خلال الحرب، ويصف خططه لإعادة إعماره «هذا طبعا اذا دفعولنا القطريي»، ضحكة ولحظات صمت.
يتدخل ابو يوسف فهو ينتظر وعد الربيع للبدء بإعادة بناء منزله ولكنه يستحلي «الحديث» أكثر عن ذكــريات الصيد بين مرج يارون وكرحبون والبــياضة وأسماء لا تحصى من أراض جنوبية قصدها على مدى أربعين عاما.
شعلة ابو يوسف تتحول اليوم الى معلم من معالم هذا الحي الذي تسكنه السكينة في الليالي والنهارات الباردة، حيث تزيده بعض أطلال الدمار وحشة تكسرها أصداء الضحكات بين الحين والآخر.
تعليقات: