أكثر من 20 ثريا مضاءة في مؤتمر ترشيد الطاقة في السرايا الحكومية! (بلال جاويش)
«وعند التحدي يُعرف الرجال»... هذا ما نطق به رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في قصره الحكومي، الذي وقف يلحّن كلمات هذه العبارة، يضرب الطاولة حيناً، ويتمسك بنظرة الحنان أحياناً... وحوله نظرات مدهوشة بتحوير حفل إطلاق حملة ترشيد استهلاك الطاقة في المدارس عن هدفها الدعائي، لتصبح متنفساً للحديث عن أزمة الكهرباء... والجيش...وعمرو موسى!
لم يتخلّ رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة عن استراتيجيته المنبرية التي يعتمدها أخيراً. فبين جملة وأخرى يطلق بيت شعر أو مثلاً شعبياً، ولكل حرف نغمة، ولكل نغمة هدف. فأمس كانت فرصة السنيورة سانحة للحديث عن أزمة قطاع الكهرباء، وذلك في حفل إطلاق حملة ترشيد استهلاك الطاقة في المدارس في السرايا الحكومية، التي ينظّمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووزارة الطاقة والمياه، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو ووزارة التربية والتعليم العالي. السنيورة، الذي استمرت كلمته نحو الساعة، فيما مدة الحفل كلها لم تتعدّ الساعتين، شدّد على أن «من أهم مواردنا الوقت الذي إن لم تقطعه قطعك»!. وأبرز ما جاء في مواقف السنيورة الكهربائية ما رآه عدم تلاؤم التسعيرة المعتمدة من مؤسسة الكهرباء وتكلفة أسعار الإنتاج، مشيراً إلى أن التسعيرة المعتمدة تعني أنّ الدولة فعلياً تدعم كل مستهلك للكهرباء في لبنان. لافتاً إلى أن الحكومة أعدّت دراسات مستفيضة أجرتها مؤسسات دولية عدة لإعادة النظر في موضوع التسعيرة ومنعت تطبيقها الظروف السياسية غير الملائمة... ملمحاً إلى المستوى الذي يجب أن تبلغه هذه التسعيرة، إذ قال إن كل مواطن يستهلك 500 كيلووات من الكهرباء يدفع حالياً ما قيمته 35 ألف ليرة، بينما يكلف توليد هذه الكمية من الطاقة حسب الأسعار الحالية للمشتقات النفطية المستعملة نحو 150 ألف ليرة.
أزمة كهرباء مزمنة
ويبدأ السنيورة في الحديث عن واقع الكهرباء في لبنان، يشخص في الحضور ويقول إن هذا الموضوع استخدم مادةً سياسية لمحاربة الحكومة، فيما هذه المشكلة موجودة منذ ما قبل عام 1975 وهي متراكمة، وقد عولجت بطرق لا تفضي إلى حل. إذ لدى لبنان طاقة إنتاجية نظرية لا تتعدى 2000 ميغاوات بينما الحاجة الفورية حسب مستويات الاستهلاك الحالي، تتعدى ذلك إلى نحو 2500 ميغاوات، معتبراً أن النقص في إمداد الطاقة في لبنان تفاقمه المشاكل المتأتية عن تقادم قسم مهم من المعامل القائمة وتدنّي مستويات الصيانة، وهذا يتسبب في الانقطاع المفاجئ للكهرباء. وأوضح أن المعامل الموجودة هي معملا الزهراني والبداوي اللذان يستعملان مادة الغاز أويل بطاقة 900 ميغاوات، ومعملا الذوق والجية اللذان ينتجان نظرياً 700 ميغاوات ويستعملان مادة الفيول أويل، وقد أمسيا قديمين ولا يتمتعان بالكفاءة والفاعلية الإنتاجية. كذلك هناك معملان آخران لإنتاج الكهرباء في بعلبك وصور ويستعملان مادة الغاز أويل بحجم 140 ميغاوات، لكن تشغيلهما مكلفٌ للغاية... لافتاً إلى وجود حاجة شديدة لتوفير نحو 1500 ميغاوات بحلول عام 2015.
عجز دائم وإجراءات حلول
السنيورة ينفعل، فقد بدأت مرحلة «اللطشات»، فيشير إلى أن العجز في مؤسسة الكهرباء هو نتيجة سوء الأوضاع الإدارية في المؤسسة، وعدم كفاءة عملية الجباية، والكمية الكبيرة من الهدر التقني والهدر غير التقني الناتج من التعليق والسرقة، الذي يؤدي إلى أعطال في المحولات... يضحك ويقول: «وعندما تتعطل ينزلون إلى الشارع». ويلفت بحدّة إلى أن السرقة تمثّل 25 في المئة من الإنتاج، والهدر الفني 15 في المئة، فيما لا ينبغي أن يتعدى 7 في المئة. ويؤكد بثقة أن العجز المتراكم الذي تتحمله المؤسسة وتدفعه الخزينة اللبنانية هو مصدر ثلث الدين العام الذي تراكم لتاريخه.
وعند الدخول إلى مرحلة الحلول، تهدأ النبرة، فيقول إن الحكومة تسعى إلى استقطاب مستثمرين من القطاع الخاص لإنشاء معمل جديد في منطقة دير عمار والإعداد لبناء معمل آخر، وذلك نظراً إلى تكلفة إنشاء مثل هذه المعامل التي لا تقل عن مليار دولار أميركي. ويضيف، تجري عمليةُ تقويمٍ لمعملَي الذوق والجية للوقوف عند جدوى تأهيلهما والإفادة من طاقتهما، وتالياً زيادة الطاقة المتوافرة بما لا يقل عن 150 ميغاوات، وتحسين معدَّل استهلاك الوقود في المعملين، وهذا المشروع يكلّف أكثر من 85 مليون دولار أميركي.
ويلفت السنيورة إلى أنه سيتمّ هذا العام إنشاء شبكة النقل 220 ك. ف. أ، وهو ما يسمح للبنان باستيراد الطاقة. كذلك تسعى الحكومة إلى الإعداد لنقل قطاعي الإنتاج والتوزيع في المؤسسة إلى القطاع الخاص. وأشار إلى أن الحكومة تدرس أوضاع التعرفة لكي تتلاءم بعد تعديلها مع كلفة الإنتاج وأغراض الترشيد في استعمال الطاقة الكهربائية ومع ما يستطيع المستهلكون تحمّله، إضافة إلى متابعة التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية.
بانفعال يضرب السنيورة بيده على الطاولة ويقول «لدينا مشكلة الشجرة والطاقة والمياه، ويجب حلها رغم أنهم يأخذوننا إلى أماكن بعيدة لمنع الللبنانيين من معالجة مشاكلهم الحقيقية. إنهم كمن يأخذون إبرة لكي يتشنجوا ولا يناموا، لكننا لن ننسى المسائل الحياتية والمعيشية»!...
تعليقات: