جاء في مقدمة الدستور أن لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، وأن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، وهو ما يشير، نظرياً على الأقل، أن زمام التغيير في السلطة هو بيد الناس، وأن الإنتخابات النيابيّة هي إحدى أهم وسائل التغيير الديمقراطي في بنية السلطة، وفي إعادة تشكيل المؤسسات الدستوريّة والتشريعيّة.
في المقابل نصت المادة 16 من الدستور اللبناني على أن صلاحيّة التشريع منوطة بمجلس النواب، وأن رئيس الجمهوريّة ينتخب من قبل مجلس النواب (المادة 49 من الدستور) ، وأن رئيس الجمهوريّة يسمي رئيس الحكومة بعد إستشارات نيابيّة ملزمة (المادة 53 من الدستور)... وهو ما يعني أن بناء السلطة يبدأ من مجلس النواب وعبره، وهذا يعتبر ترجمة حقوقيّة واضحة للمبدأ الدستوري الذي ينص على أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستوريّة.
من هنا تبرز أهمية دور مجلس النواب، كسلطة تمثيليّة تنبثق من إرادة الشعب، والذي لا يقتصر على التشريع والرقابة والمشاركة في رسم السياسات العامة للدولة والقيام بالمهام والصلاحيات التي أناطها به الدستور والقوانين والأنظمة، بل دوره يتعدى ذلك إلى الموقف من القضايا السياسيّة والامنيّة والعسكريّة المطروحة في لبنان والمنطقة، كونه سلطة مؤثرة في عملية صنع القرار والموقف من صراعات وسياسات ومحاور وحروب قذرة تجتاح المنطقة، وهو ما يدلل على عمق المسؤولية التي تقع على عاتق المواطن في اختيار من يمثله في هذا المجلس، خاصة بوجود إنقسامات عاموديّة في المجتمع، تجاوزت حد الإصطفافات اللفظية والإعلامية والسياسيّة، إلى الإصطفافات المباشرة والتدخل في مجريات الحروب على لبنان والمنطقة، والتي نتج عنها دماراً هائلاً وضحايا بشريّة بمئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وأضراراً إقتصاديّة وإجتماعيّة رهيبة، لا يمكن لملمت آثارها على مدى سنوات طويلة، ولا التنبؤ بمداها وحجم التضحيات والتحديات التي تتطلبها.
بالنسبة لنا، نحن أصحاب قضيّة وحق وموقف واضح، عانينا ونعاني من إعتداءات وإحتلالات صهيونيّة متكررة، ومن إهمال تاريخي مزمن، ومن هجمة إرهابيّة منظمة ومبرمجة تستهدف عمقنا الإجتماعي والأمني والإقتصادي، لم يترك لنا الخيار سوى الإنخراط، طيلة أكثر من سبعين عاماً، في مقاومة شاملة وشرسة لأعدائنا وأعداء هذا الوطن، وشكّلنا في مقاومتنا لهذه التحديات نموذجاً وسداً منيعاً أمام الاطماع والمؤامرات الداخليّة والخارجيّة، ودفعنا أثماناً باهظة من خيرة شبابنا وبيوتنا وقرانا وبلداتنا...
الإنتخابات النيابيّة المقبلة، تشكل بالنسبة لنا محطة تاريخيّة، تتجسد فيها ثقة المواطن بالمشاركة، ليس لانتخاب فلان أو علّان من المرشحين، وليس لأن هذا النائب أو المرشح خذلنا هنا أو قدّم لنا خدمة هناك، بل هي فرصة تاريخيّة للتعبير عن إنتماء سياسي وإجتماعي، وعن التأكيد مجدداً على تبني خيار المقاومة بوجه كل التحديات التي تواجهنا...
سيكون صوتنا رصاصة تخترق أحلام الطامعين والحاقدين والمضللين والطارئين، وسيكون تعبيراً عن الإنتماء إلى قضية وموقف سياسي ملتزم، ليس لحزب أو فئة أو جهة بعينها، بل هو انتماء لتاريخ مجبول بدماء ودموع وأمنيات آباء وأمهات حرموا أمسهم وخُطف حاضرهم ومستقبل أطفالهم، وباتوا لا يملكون إلا عصمة الصوت في صندوقة الموقف المقاوم والملتزم...
مهما كان الموقف الشخصي من هذا المرشح أو ذاك، ومهما كانت مصالحنا الشخصيّة والآنية تضغط علينا للإختيار بين مرشح وآخر، ومهما اختلفت الآراء والأيديولوجيات والأفكار، يبقى أن صوتنا يجب أن يذهب إلى الذين أثبتوا على مرّ الأيام أنهم من طينة هذا الشعب وهذه الأرض، وهم الملاذ الحقيقي عند الملمات... معركتنا هي معركة وجود مع محور كشف عن أنيابه، يهددنا يومياً في أرضنا وبيوتنا وسهولنا وحقولنا...
لا بديل عن الوفاء لخيارنا السياسي المقاوم، وليس لدينا الخيار سوى في المحافظة على ما حررناه وحميناه وبنيناه... ولا فضل لأحدنا على الآخر إلا في مدى الإلتزام بقضايا هؤلاء الناس الطيبين وحمايتهم...
تعليقات: