أظهرت شهادات كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس ورئيس الأركان السابق دان حلوتس امام «لجنة فينوغراد» حول الاخفاق في الحرب على لبنان، عمق الهوة بين تطلعات القيادة الإسرائيلية من العدوان وما أفلحت في تحقيقه فعليا. ووفرت هذه الشهادات فرصة نادرة للإطلاع على أنماط التفكير في القيادة الإسرائيلية، وعلى منظومة الدوافع والاعتبارات التي تحرك كلا من أفرادها.
وبرغم خلو الشهادات من الفضائح الكبرى، إلا أنها حملت الكثير من العناوين الكبيرة. فقد شهد أولمرت أمام اللجنة بأن رئيس الأركان أكد له بأن الجيش قوي وقادر على تحقيق أي مهمة توكل إليه. وشدد بيرتس، من جهته، على أن أحدا في الجيش لم يقل أن هناك أي إشكاليات في الجاهزية وبالتالي فإنه لم يكن يعلم أن الجيش غير جاهز للحرب. اما حلوتس، الذي ناقض نفسه في العديد من المواضع، فاشتكى من تدهور مكانة الجيش في المجتمع الإسرائيلي وتحوله إلى كيس الملاكمة القومي الذي يطيب للناس ضربه وانتقاده.
وبدا واضحا أن التعامل الذي حظي به قادة إسرائيل بعد الحرب في «لجنة فينوغراد»، هو خليط من الاستخفاف والتنكيل. وبرغم أن استنتاجات اللجنة كانت بالغة القسوة على القادة الثلاثة، فإن التساؤلات والمقاطعات والتعليمات التي دأب أعضاء اللجنة على توجيهها لهم أثناء شهاداتهم تحمل موقفا متذمرا من الوضعية التي أوقع هؤلاء إسرائيل فيها.
صحيح أن أولمرت بدا في الشهادة واثقا من نفسه وتحدث عن انتصار في الحرب، إلا أن أحدا من أعضاء اللجنة لم يأخذ لا بتوصيفه للأمور ولا باستنتاجه. وصار واضحا أن التساهل الذي تعاملت به اللجنة مع بيرتس، ينبع أكثر من أي شيء آخر من الشفقة بجهله. ولهذا السبب بدا أن اللجنة عملت تقريبا على تصفية الحساب مع كل من حلوتس وأولمرت على وجه التحديد.
وفاجأ حلوتس اللجنة في شهادته بدعوته إلى إضعاف دور الجيش الإسرائيلي في نظرية الأمن، بحيث لا يعود عمليا الجهة التي تقدم للمستوى السياسي المعطيات والتقديرات. ودعا إلى تعميق دور «مجلس الأمن القومي» بحيث يكون ركيزة دعم قرار المستوى السياسي عبر أجهزته المختلفة.
وحاول حلوتس بشكل مهذب إبلاغ اللجنة بأنه لا يمكن تحقيق انتصار على من يحملون أيديولوجيا. وأراد بذلك صرف الأنظار عن المفاهيم التي سادت في إسرائيل في كل ما يتعلق بالجيش الإسرائيلي وتحديدا مفاهيم النصر والحسم. وبرغم تجنب حلوتس إلقاء المسؤولية عما جرى على الآخرين، فإنه أعلن أن لمثلث المسؤولية ثلاثة أضلاع. ورأى نفسه ضلعا فيما المستوى القيادي العسكري إلى جانبه ضلع آخر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المستوى السياسي هو الضلع الثالث.
وأشعل نشر الشهادات، الحملة ضد أولمرت وبيرتس مجددا في الحلبة الإسرائيلية. وانطلقت أصوات كثيرة من صفوف المعارضة اليسارية واليمينية على حد سواء تطالب باستقالتهما. وقال داني ياتوم، المرشح لزعامة حزب «العمل»، أن «شهادة أولمرت تعزز ما ورد في التقرير الذي وجه إليه انتقادات شديدة. فأولمرت كان يعلم أن الجيش غير مستعد، وبرغم ذلك أرسله إلى الحرب. وأنا آسف لأنه يدحرج المسؤولية على الجيش».
وقالت رئيسة كتلة ميرتس زهافا غالئون، التي أدت الدور المركزي في الحملة من أجل نشر الشهادات، أن «كشفها أتاح للجميع الحصول على الرواية الحقيقية والكاملة لمسؤولية الزعماء عن إخفاقات الحرب، وهي تقارن بين الروايات المتناقضة لهم وهم يحاولون دحرجة المسؤولية عن الفشل واحدهم على الآخر».
اما عضو الكنيست سيلفان شالوم من الليكود، فرأى أن «المحاولة المريضة من جانب المستوى السياسي للتنكر للفشل وإلقاء المسؤولية على الجيش لن تنجح. فالشهادات تعزز الإحساس المقزز الذي كان سابقا، والاستخلاص بأن عليهم ترك مناصبهم على الفور».
وقال رئيس «المفدال» زفولون أورليف أنه «بات واضحا الآن سبب رفض رئيس الحكومة نشر شهادته التي كشفت تهربه من المسؤولية وإلقاءها على الجيش. إن أولمرت لم يؤد دوره كزعيم. ويجدر به أن يتحمل المسؤولية ويستقيل».
أما الجيش وبعدما قرأ شهادتي أولمرت وحلوتس، أعلن عبر عدد من ضباطه أنه أبلغ القيادة السياسية بوضع الجيش، وأنه إذا كان أحد منهم لم يرغب في المعرفة فمسؤولية ذلك تقع على عاتقه هو وليس على الجيش.
تعليقات: