عندما كنا أطفالا، أخبرونا قصة الرجل الذي كان يملك دجاجة تبيض له يوميا بيضة من ذهب. وكانت البيضة تكفيه ليعيش في بحبوحة ورفاهية، الى أن هاجم الطمع نفسه واستحوذ على عقله، فراودته فكرة ذبح الدجاجة للاستحصال على الآلة المنتجة للبيض عوض الانتظار للحصول على بيضة واحدة في اليوم. فنفذ ما فكر به، لكن المأساة حلت بدل النعمة، فخسر مورد عيشه ولم يحصل في المقابل إلا على الفقر!
أليست البيئة تلك الدجاجة، والبيضة هي موارد الطبيعة والانسان هو هو أمس واليوم؟ ولكن تبقى ثمة حلول لهذه المعضلات، البيئة تعطي ثمارها إن وضعت موضع التنفيذ، ومنها:
سياسة الرتي بدل الرمي
اننا نعيش في عالم هو في تطور مستمر، يتهالك فيه الناس على ما يظنون ان سعادتهم فيه، ولكنها سعادة مزيفة في معظم الاحيان، لأنها تتوخى اراحة الجسد فتتعب الضمير والروح، وهذا ما أورثنا اياه مجتمع الاستهلاك الذي يستدرج الناس بشتى الاساليب والدعايات الى الاستمتاع بما يستهلكون، فيوظفون الجهد والوقت والمال في كماليات تهدد لديهم الصحة وتحجب عن أذهانهم معنى الحياة الحق، فبساطة المأكل والملبس تريح النفس والجسد معا. ان "حب الاستهلاك"، والعبارة للبابا يوحنا بولس الثاني، مرض يضرب الكبير والصغير، الغني والفقير. فقبل ان نستهلك السلعة نسعى الى امتلاك أخرى تكون أكثر تطورا أو ذات ألوان مبهرجة. وأفضل دليل هو صرعة الهواتف المحمولة في لبنان. فكلما التقيت بصديق، تلاحظ انه أبدل هاتفه القديم بآخر جديد، تسأله عن السبب، فيأتيك الجواب ليزيدك عجباً: رنته أطول، حجمه أصغر، لونه أصفر... فيما الجميع يشكون الضائقة المالية. فاصلاح القديم ليس عيبا واستهلاك الاشياء حتى نهايتها لا يعتبر تقطيرا بل هو حسن تدبير. ليس من المعيب ان نرغب في حياة افضل، وانما العيب في نمط حياة يُحسب افضل اذا ابتغى الانسان القنية واهمل القيمة، واذا رام الاستزادة، لا لينمي كيانه بل لينفق الوجود في سبيل التنعم للتنعم. استهلاك المواد الجامدة في الكون وكأن مواردها لا تنفد هو مبدأ خاطئ. فالثروات المعدنية والبترولية والحرجية لا يمكن تجديدها في عشر سنين لأنها تتطلب مئات الاعوام. ومن الاعراض الايجابية في الزمن الراهن، أنه لا بد من الاشارة الى مزيد من الوعي لحدود الطاقات المتوافرة، وضرورة احترام الطبيعة في كليتها وفي مختلف مواقيتها، وأخذها في الاعتبار ضمن التخطيط الانمائي عوض ان يضحى بها لمصلحة بعض النظريات الديماغوجية. وهذا ما يسمى بعلم البيئة. فهو علم مؤسس على لاهوت الخلق. أليس العالم المخلوق تعبيرا عن الخالق؟ اعادة تقويم العالم تدفع باللاهوتيين الى قراءة الطبيعة والمجتمع والعلوم الانسانية".
البلد التي قلّ طيرها قلّ خيرها
في هذا البلد الجميل ممنوع على الطير ان يمر في سمائه، أو ان يحط على أرضه. فانتبه! الصياد في انتظارك. صديقي العصفور، انت عدو خطير والواجب الوطني يدعو الجميع الى حمل السلاح واطلاق النار عليك في كل مكان وزمان، والأنكى من ذلك ان يقال لك هواية ورياضة. فهل قتل الطير رياضة واطلاق النار هواية؟
ان الطير عامل أساسي في التوازن البيئي، وهو ثروة طبيعية اذا قضينا عليها لا نستطيع ان نصلح الضرر الذي ستتركه. فكلما قلّ الطير قلّ الخير. فهو صديق المزارع والزرع والاشجار. ينقي أشجارنا من الحشرات الفتاكة، ومزروعاتنا من الآفات الكثيرة، وسهولنا من حيوانات مضرة لئيمة كالفئران والحيات والعقارب... فلا نجعل من الهواية والرياضة حجة لتدمير ركن من أركان البيئة. ففي أوروبا، العصفور صديق. اذا جلست في حديقة عامة، ترى بلحظات انك تغرق في جحافل من الطيور (وليس الحمام فقط) تقترب منك من دون خوف وكأنها تقول لك نحن أصدقاء: أهلا وسهلا بك في وطننا. بينما يخاف العصفور في لبنان من ظله. فالحيوانات خلائق الله وهو يعتني بها ايضا ويضمن لها مبدأ استمرارها، وهي تباركه تاليا وتمجده. لقد عاش القديسون هذا المبدأ: فرنسيس الأسيزي وشربل مخلوف وغيرهما... هذا المبدأ يخول الانسان الحق في استعمال الحيوانات للغذاء والكساء ومساعدته في أعماله، كذلك للتجارب الطبية والعلمية في سبيل خير البشرية.
التدمير أسرع الطرق وأسهلها، فإن تقطع شجرة عملية تستغرق لحظات بينما اكتمال نموها يستغرق سنوات لتصبح على ما هي عليه. كم مرة غرست شجرة في حياتك؟ وكم مرة قطعت أخرى؟ لنعلم ونعلّم أن الاشجار هي رئة الكرة الارضية والمثبتة للتربة ومغذيتها.
عمول منيح وما تكبّ بالبحر
البحر كبير ويبتلع كل شيء، هذا هو التفكير اللبناني الشهم. فكل يوم ندفع بمياه المجارير وبكميات هائلة الى البحر لعله يحلى. وكل يوم نجمع نفايات لبنان من اطرافه الاربعة ونرميها في البحر لعله يُصبح ارضا صالحة للزراعة. وهذا لا يكفي، بل نستورد ايضا نفايات صناعية من العالم ونستودعها البحر، لعله يستفيد منها. ان البحر ثروة وطنية وسياحية وغذائية، وهذا يكفي.
لا تشرب من البئر وترمي فيه حجراً
يقال ان لبنان غني بالمياه الصحية، والافضل ان يُقال انه غني بالمياه الملوثة بامتياز، لأن لا مياه صافية في اي نهر من انهاره. فهي مزيج من مياه طبيعية ومياه صرف صحي ومياه صناعية وحتى مزابل محلية. واذا سألت عن تلك العين ومزرابها، يقال لك انه انكسر. ولا "عين" في لبنان تبصر النور.
فكلما دخلت الى قرية وأردت ان تشرب من"عينها"، قالوا لك انها غير صالحة للشرب، فهي ممزوجة بالمجارير. حتى آبارنا الارتوازية اقتحمناها بواسطة التقنيات الحديثة واجهزنا عليها ايضا. فالكثيرون ممن يحفرون بئرا ارتوازية ولا يجدون فيها الماء وكانوا من "الشطار" يحولون مجاري الصرف الصحي من منازلهم الى تلك الآبار. عين لا ترى قلب لا يوجع! وبذلك يكون قد لوث المياه الجوفية على نحو فظيع لا يمكن اصلاحه ولا معرفة مدى تمدده داخل جوف الارض. فله الشكر ومن بعده سيشكره ابناؤه اذا بقي ماء ليشربوا!
دولة ترعى البيئة ولا ترعى فيها
ان "دولة المؤسسات والقانون" تستطيع ان تفعل الكثير من اجل البيئة وبكلفة زهيدة لا تعادل ما يصرف على الفاتورة الصحية الناجمة عن تلوث البيئة. كأن تمنع استعمال مولدات المازوت، وهو قرار تنفذه الاجهزة الامنية، كذلك تمنع قطع الاشجار. فحماية الزراعة الوطنية وفرض رقابة على المنتجات الغذائية هما قراران ينفذهما موظفو الدولة من الذين يرتعون في خانة "الفائض" ويمكنها ان تقرر قوانين البيئة ضبط غابات الباطون علما ان ترك مساحات خضراء ليس بالعمل السوبر – جبار، هذا اذا لم تكن الدولة هي العدو الاول للبنان وللبيئة (دون التكلم عن تلوث الباطون والهواء والضجيج). على الدولة ان تؤمن للبيئة الطبيعية والبيئة البشرية الحماية والصيانة، وهما من الاملاك العامة، التي لا يمكن صونها بمجرد آلية السوق. كذلك عليها وبالتعاون مع المجتمع، ان تحمي الاملاك العامة التي تكون، الى جانب مقومات اخرى، الاطار الذي يستطيع فيه كل انسان ان يحقق، بطريقة مشروعة، اهدافه الشخصية.
عجب كل العجب، كيف لا يرضى اللبناني بالقليل ولا بالكثير. فاذا امطرت يومين متتاليين تمطرنا محطات الاذاعة والتلفزيون بعواصف متوقعة وفيضانات آتية. واذا بالشمس تشرق في ثالث يوم وتنحسر الغيوم، فيقولون لنا اشكروا الله انتقلت العاصفة الى منطقة اخرى. واذا لم تمطر في فصل الشتاء، يطلّ علينا المذيع بخبر سعيد مفاده ان الطقس سيكون غداً جميلاً. يا صديقي المذيع، اذا لم تمطر في الشتاء يكون الطقس سيئاً، واذا لم تشمّس في فصل الصيف يكون الطقس سيّئاً. في اي حال، الافضل ان نقول ان الطقس متغيّر متبدّل. والامثلة كثيرة، والنق منتشر على كل الصعد. فالجميع يتذمرون من الضائقة الاقتصادية، وهذا صحيح. ولكن للكثيرين اراضي زراعية مهملة في قراهم. تسألهم: لم لا تعيدون اليها الحياة؟ فيجيبونك: انت مجنون، صفيحة الزيت تكلفك 100 دولار اجور عمّال لتنتجها ويمكن شراؤها بـ50 دولاراً من السوق. هذا صحيح ايضاً. ولكن ما دمت تعمل فلم العمال؟ لم لا تشمّر عن ساعديك وتقوّي عضلات يديك وتذيب شحم كرشك وتعمل في ارضك في وقت فراغك، وبذلك تستهلك زيتا نظيفاً نقياً طبيعياً مجبولاً بعرق جبينك وبدون كلفة.
فلنشكر الله على كل شيء؛ فبالشكر تدوم النعم. والنق يجلب البلى. فاشكر الله على اليوم الذي انت فيه فلا تعلم ما يخبئه لك الغد... "ويكفي كل يوم بلواه" (متى 34:6).
قل لي ماذا تأكل؟
ان اكثر المنتجات اليوم هي من التنك او الكرتون. فكل شيء معلّب معقّم. ابتعد عن هذه الاصناف، ففي داخلها الويل وفي اكلها شر مبيّت. ان طريقة المؤونة اللبنانية هي طريقة طبيعية، اعتمدها الاجداد منذ مئات الاعوام واثبتت صحتها ونقاوتها. لا تأكل السم اذا كان محلّى بالعسل. فسياسة "شرايتو ولا تربايتو" سياسة استعمارية تخدم الرأسمالية العالمية. فصحيح انه اسهل ولا بل في بعض الاحيان اوفر ان تصل الى الدكان فتشتري العشاء جاهزاً بعلب فتصل الى بيتك وتبتلعه وترمي التنك في المزبلة وانتهى الامر. ولكن في الحقيقة ما توفره آنياً تدفعه لاحقاً اضعافاً مضاعفة. فمن يسترخص اللحم، عند الاكل يندم. فعوض ان تشتري زجاجة عصير يقال انها طبيعية ولا شيء فيها طبيعي الا الزجاج، الافضل ان تشتري كيلو الفواكه وتعصره او تأكله مباشرة.
ان في الاسواق انواعاً من اجبان مصنوعة بطريقة لا يدخلها الحليب اطلاقاً. هل تعرف ان المشروبات الغازية هي اشد فتكاً بالجسم من فتك الملح بالحديد؟
كُل من مزروعات ارضنا، وفي مواسمها، ولا تأكل المزروعات المستوردة لتكون على الموضة. فأن تأكل عدساً وحمصاً وفاصوليا ولوبياء وبطاطا وبصلاً وثوماً ولحم ماعز وخبزاً من قمح بلادك، وتشرب حليباً طبيعياً، افضل صحياً واقتصادياً من استهلاك سومون فومي Saumon Fumé بلاد اسكندينافيا، وكافيار روسيا، وجونبون فرنسا، وهمبرغر اميركا، وبيتزا ايطاليا، وزبدة الدانمارك، ولحم جنوب افريقيا، وسعادين المومو وحليب السعودية. فبشهادة اهل الاختصاص والتغذية: ان الاكل اللبناني التقليدي القديم هو افضل اكل طبيعي صحي مغذّ ويقيك من شر المرض كما ان اسعاره هي في متناولك، وبذلك تشجع ابناء بلدك على الاستمرار، فتكون قد اكلت على الطريقة اللبنانية قبل ان يأكلوا لبنان.
تعليقات: