القطاع العقاري ليس بأحسن حال،عملية إيقاف القروض المدعومة من قبل مصرف لبنان، وما نتج عنها من إيقاف كلّ الطلبات من قبل المؤسسة العامة للإسكان ومصرف الإسكان أوجد واقعاً جديداً، أُضيف إلى التباطؤ الذي يعاني منه القطاع منذ حوالي سبع سنوات.
ولأنّ الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية منشغلة بحاصل انتخابي من هنا وصوت تفضيلي من هناك، لا يبدو أنّ حلاً سريعاً سوف يملأ فراغ دعم المصرف المركزي.
المطوّرون العقاريون ولا سيّما من استدان منهم من المصارف لإنشاء مشاريع سكنية وجدوا أنفسهم أمام مأزق حقيقي لا تنفع معه المكابرة، فهل سيعمدون إلى تخفيض أسعار الشقق؟
وفق مقاربة رئيس مجلس إدارة شركة "رامكو" للإستشارات العقارية رجا مكارم فإن الإنخفاض بالأسعار أمر حتمي" لاحظناه خلال السنوات الخمس السابقة، بحيث سُجّل انخفاض سنوي تدريجي من 0.7، إلى 1.2 في السنة التالية، ثمّ 1.7 وصولا إلى 2 هذا العام. والاسعار المعلنة التي يطلبها المطوّر تختلف عن السعر الحقيقي الذي يرضى به لإتمام عملية البيع، وعندما يشعر المطوّر أنّ الزبون جدّي في الشراء، يخفض السعر في دقائق التفاوض الأولى إلى 10 %، وخلال نصف ساعة إلى ما نسبته 20 و30 %، وعندما يلمس نيّة الزبون في الشراء من الممكن أن يخفض السعر بنسبة 40 و45 % حسب حاجته إلى البيع".
مكارم انطلق من الأرقام والإحصاءات التي أنجزتها الشركة موضحاً في حديث لـ"لبنان 24" أنّ 8000 شقة بيعت العام الماضي من خلال قروض من قبل كلّ من مصرف الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان، وبالتالي 8000 شقة منجزة لن تباع هذا العام طالما القروض المدعومة متوقفة، وهذا التراكم في نسب الشقق غير المباعة يشمل فئة أصحاب الدخل المحدود ودون المتوسط، أي الذين يقبلون على شراء الشقق التي يترواح سعرها بين 200 و500 ألف دولار، في حين أنّ باقي القطاع غير معتمد على القروض، "دراساتنا أظهرت أنّ حوالي مليون متر مربع غير مباع على صعيد بيروت الإدارية، وهي الشقق التي يفوق سعر المتر الواحد منها ما نسبته 3 الآف دولار، وعددها حوالي أربعة الآف شقّة، المخزون غير المباع يزداد سنويا بنسبة 200 ألف متر، ولا يمكن تقدير نسبة الشقق التي لن تباع".
باعتقاد مكارم حركة السوق العقاري تتأثر بإيقاف القروض ولكن لن تتوقف بالكامل "لأنّ الطبقة الميسورة في لبنان لا تتأثر بإيقاف القروض، ولن توقف عمليات الشراء وستبتاع ما تحتاجه من شقق، لا سيما وأنّه الوقت الأفضل لها للشراء بأسعار متدنية بنسبة لامست الـ 40 % مقارنة مع اسعار العام 2010. وهناك تسابق لا يزال قوياً بين المطورين والمستثمرين الذين ابتاعوا شققاً عدّة،وكل مطوّر يخفض السعر وفق حاجته إلى النقدي".
الأزمة وفق رؤية مكارم لا تتأتى فقط من جراء إيقاف القروض المدعومة، "بل تكمن في توقيتها بحيث أنّ لبنان مشرف على استحقاق نيابي، والمقتدرون مادياً ينتظرون نتائج المؤتمرات الدولية، والمشكلة الأكبر تكمن في انعدام الثقة بالبلد وبالحكام وبالمستقبل، من هنا نلاحظ حالة من الإنكماش، بحيث أنّ من يملك المال يفضّل الاحتفاظ به نقداً الى حين جلاء الصورة، ويكفي أن يتوفر عامل الثقة لإعادة تحريك الجمود السائد، فالوضع ليس سلبياً بمعظمه وهناك شركات لبنانية كبيرة تجني أرباحاً ومتمولون لديهم قدرات شرائية عالية وينفقون".
لا يتوقع مكارم انهياراً للقطاع العقاري في لبنان بل تواضع في الإسعار "لا يمكن قراءة المستقبل لمعرفة مجريات الأمور، ولكن لم أرَ مؤشرات انهيار ولا سيّما أنّ هناك من يقبل على الشراء بقيمة 60 % من ثمن الشقة أو 70 % وبالتالي ما يحصل أنّ الاسعار تُسوى".
أضاف مكارم "هناك تحديات كبيرة مرّ بها لبنان منها تداعيات الحرب السورية ،مواجهة الإرهاب وحالة من اللاستقرار السياسي، ورغم ذلك تمكن القطاع العقاري من الصمود وهذا بحدّ ذاته انجاز كبير، واعتقد أنّنا قطعنا شوطاً كبيراً من الازمات، واليوم رغم كل نقمتنا على الهدر والفساد المستشري، هناك انجازات حصلت كانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وإصدار قوانين البترول والموازنة العامة،وبالمقابل هناك أمور خارجية لا يمكن لنا التحكم بمسارها كنهاية الحرب في سوريا وارتفاع اسعار البترول وتحسن الاوضاع الاقتصادية ببلدان الاغتراب، وهي من القضايا المهمة المؤثرة على الداخل اللبناني، وفي حال أثمرت المؤتمرات الدولية ثقة دولية من شأنها أن تعزّز ثقة اللبنانيين ببلدهم، من هنا أرى نوراً أكثر من ظلام في المستقبل القريب".
هذا الإيمان ببلد الأرز من قبل أبنائه أولاً، من جعل لبنان يتجاوز حقول الألغام المحلية والإقليمية منها، من دون أن تكون السلطة السياسية معفاة من تقصيرها الفادح جرّاء عدم وضع سياسة اسكانية تمنح المواطن حق السكن، ولعل إقرار قانون الإيجار التملكي أبرز دعائم هذه السياسة. وفي الوقت الراهن سيكسب من لديه المال لشراء شقة بنص ثمنها تقريباً مغتنما حاجة البائع إلى الأموال.
تعليقات: