الكاتب نببيل هيثم
الجامع المشترك بين بعض القوى السياسية، هو خشيتها من أن تقع في انتخابات السادس من أيار المقبل في شرّ تحالفاتها ولوائحها، التي نسفت كل العناوين والشعارات التي أسرت فيها جمهورها لسنين طويلة.
المضحك المبكي انّ تلك القوى، التي لطالما راهنت على جمهور طيّع ينصاع لِما تقرره هي عنه، صارت تخشى جمهورها قبل ان تخشى خصومها.
هذا الجمهور، او بمعنى أدقّ، الشريحة الواسعة منه، تشعر انها مهانة، وانها تعرّضت لخديعة وعملية نصب موصوفة أفضت الى لوائح انتخابية رُكِّبت على موائد «شركات سياسية» لتقاسم المصالح والمغانم، وليس على اساس الالتزام بالمبادىء والاخلاقيات التي ناضل من اجلها وذاق حلوها ومرّها.
ربما كانت هذه الاهانة قابلة للبلع من قبل الجمهور، لو أن تركيب اللوائح جاء معبّراً عن التاريخ النضالي لبعض الاحزاب والتيارات السياسية، الا انّ «الكائنات» التي ضمتها من خارج هذا التاريخ، اضافت على الشعور بالاهانة، شعورا بالاستفزاز والخيبة.
ما هو مقلق للمتسبّبين بالاهانة والاستفزاز، انّ هذا الشعور قد حفر عميقاً في اذهان الناس، ولم يعد محصوراً في الغرف المغلقة، بل بدأ يتعالى في العلن، بتعبيرات شعبية صريحة ترفض اعتبارها قطيعاً من الاغنام تُساق الى صناديق الاقتراع والتصويت للوائح لا يجدون انفسهم فيها، بل لا تعبّر عنهم، وللمشاركة في ما تسميها عملية تزوير المبادىء ونسف التاريخ، والتراجع من المنحى الاصلاحي الذي ننشده، الى المنحى الحزبي والتقليدي القديم المشكو منه، والذي اعتمد على التمثيل بمجموعة من العصي.
يؤشّر ذلك، الى فقدان، او ضعف حماسة هذه الشريحة من الناس، للمشاركة في انتخابات 6 ايار، ومن الطبيعي في هذه الحالة، ان تقلق بعض الاحزاب والتيارات، وتخشى من ان تُمنى بخيبة كبرى في الانتخابات، تأتي على كل ما خططت له، وتطيح بكل الطموحات التي علّقتها على الاستحقاق الانتخابي.
ومن هنا، تبرز محاولات بعض السياسيين لاسترضاء الناس والتنصّل من المسؤولية وإلقائها على القانون الانتخابي، ووصفه باللئيم والمعقد الذي يوجب نسج تحالفات خارج القناعات، ومن هنا يأتي صراخهم ونداءاتهم المتتالية للناس الى حد الاستغاثة والاستنجاد بهم، للنزول بكثافة الى صناديق الاقتراع. فيما الناس ما زالت تحت تأثير الصدمة، واستمرار هذا الوضع معناه انّ انتخابات السادس من ايار هي انتخابات المفاجآت.
هذا المشهد بما فيه من وقائع وإهانات واستفزازات، يختلف بين منطقة واخرى، فالثنائي الشيعي يبدو الاكثر راحة وانسجاماً من اي طرف آخر، وشغله واضح ودؤوب لتكثيف عمليات الاقتراع لرفع الحاصل، ويبدو انه يحقق نتائج على هذا الصعيد.
وامّا على المستوى السني، فغالبية القيادات السنية تحاول ان تخوض معارك إثبات وجود مقابل الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، وبعضها سيربح باعتراف الحريري نفسه. واذا كانت اختيارات الحريري لمرشحي المستقبل محل انتقاد حتى من الشريحة السنية الواسعة، الّا انّ الناخب السني في نهاية المطاف، وأيّاً كانت تحفظاته، يريد ان يصوّت بالدرجة الاولى لزعيم، ويبقى الحريري في صدارة هذه الزعامة.
وامّا مسيحياً، فكل طرف عَزف على وتر ما اعتبرها مصالحه، «القوات اللبنانية» غَلّبت الترشيحات الحزبية وصاغت تحالفات موضعية ، في حدود الممكن، تعتقد انها سترفع رصيدها النيابي. وحزب الكتائب اعتمد خطاً مواجهاً للجميع قد يكون مُكلفاً عليه ويهدد رصيده النيابي بالتراجع.
وامّا الامتحان الاصعب، فيخوضه التيار الوطني الحر، الذي لم يعد سرّاً دخوله في بازار تحالفات عشوائية وغير منسجمة مع بعضها البعض، وفي معارك حتى مع أقرب حلفائه.
هذه التحالفات، وان كان لها من يؤيّدها في صفوف التيار، على اساس انها يمكن ان تؤمّن تمثيلاً واسعاً ووازناً للتيار في المجلس المقبل، فإنها موضع شكوى لدى شريحة واسعة داخل التيار، التي تخشى من ان تأتي هذه التحالفات بنتائج عكسية، خصوصاً انها أحدثت إرباكاً في جسم التيار، وكذلك لدى شريحة لا يستهان بها من جمهوره، من طريقة تأليف اللوائح التي تضمّنت تناقضات وحشواً لم تستطع القيادة الحالية إقناع جمهور التيار، بنوعية الاشخاص الذين تمّ اختيارهم، او بالاسباب التي أوجبت استبعاد ناشطين أساسيين في التيار لهم تاريخهم النضالي الطويل مع التيار، واستبدالهم بحالات مستجدّة على العمل السياسي، ميزتها أنها على علاقة وثيقة بالمال والاعمال، او بالأسباب التي أوجبت استبعاد اصدقاء، وسياسيين، وحلفاء الزمن الانتخابي الماضي.
واذا كان الدفاع عن هذه اللوائح يقاربها كأفضل الممكن، الا انه يصطدم بسؤال: كيف يمكن للوائح تجمع تناقضات ان تعبر بسلام داخل التيار اولاً، قبل الجمهور؟ خصوصاً انّ ناشطين اساسيين لم يبلعوها، «فهي تضم شخصيات تعبّر عن القناعات ولا غبار عليها، ويجب ان نصوّت لها، وشخصيات تناقض وتنسف كل القناعات ويغطّيها الغبار، لا يمكن ان نصوّت لها، ربما يكون الخيار الأسلم هو الانسجام مع القناعات، وربما يكون الخيار الاسلم ايضاً هو عدم التصويت.
وفي اي حال الخيار يتحدّد يوم الانتخاب، والناخب المسيحي بشكل عام معروف عنه انه لا يُقاد كقطيع أغنام، بل هو يفكر قبل ان يختار من يريد ولا يخالف قناعاته».
تعليقات: