مهرجان دبي السينمائي.. من أهم المهرجانات العربية
أهم المهرجانات العربية، دبيّ السينمائي، أصبح بين ليلة وضحاها، في خبر كان.
بعد ١٤ دورة من النجاح التصاعدي، حيث أصبحت الإمارة الخليجية التي تحكي حكاية من حكايات الحداثة العربية، على خريطة الفنّ السابع الدولية، قرر أصحابه التنازل عنه بلا أي حجّة، بلا أي شرح، بلا أي اصرار على مواصلة مسيرة بدأت قبل عقد ونصف العقد، فأُلقي في البحر كلّ ما أسسه هذا الصرح الفني والثقافي خلال سنوات: أي الجهود الجماعية والفردية، أطنان من الذكريات، صيت ممتاز في العالم، تكريس لثقافة سينمائية، وتهيئة الأرض لنهضة إجتماعية.
قائمة طويلة من الإنجازات استطاع “دبي” فرضها بزمن قياسي، شهدناها ولمسنا تطورها نحن الذين كنّا من أوائل الذين غطيناه إعلامياً، مذ كانت الصالات لا تزال شبه فارغة إلى ان أصبح الحصول على بطاقة لبعض الأفلام مشقّة. يعني من الوقت الذي كان يدخله ٣٠٠٠ مشاهد إلى ان صار يرتاده ٧٠ ألفاً طوال ثمانية أيام.
بيان من بضعة أسطر نُشر على صفحة المهرجان على الـ”فايسبوك” يقول ان صناعة الأفلام تتغير بسرعة (!) وكذلك المهرجان، ومن هنا قرار “تبني آلية عمل جديدة وإجراء بعض التغييرات الهيكلية”، على ان يُعقد المهرجان مرة كلّ عامين.
لا داعي لتدوير الزوايا، فجميعنا يعلم ماذا يعني مهرجان يُعقد كلّ عامين: مهرجان درجة ثانية في أفضل الأحوال أو مقدمة لالغائه في أسوئها! “أبو ظبي” يشهد.
في ٢٠١٥، تم إلغاء مهرجان أبو ظبي السينمائي. طُعن في ظهره، غدروه في ذروة صعوده وتنافسه مع أهم التظاهرات في الشرق الأوسط. إلى الآن، لم يدلِ المسؤولون عنه بأيٍّ من الأسباب الحقيقية التي شرّعت قتل الجنين وهو في أحشاء أمّه. لم تتم أي مصارحة في هذا الشأن.
السيناريو نفسه يتكرر مع “دبي”.
فأمس انتشرت بعض الأخبار عن الاستغناء من موظفين، وتوقف صفحة المهرجان الفايسبوكية عن التحديث، الخ… ثم تأكد الخبر، فوقع كمقصلة على رؤوس العاملين في المجال السينمائي العربي. انتهى كلّ شيء بشحطة قلم، كأي عمل يتعلق بأشخاص، لا بمؤسسات.
هل وقع المهرجان ضحيّة المتغيرات والتحالفات السياسية التي تتحكم بزمام الأمور في المنطقة؟ أم ضحيّة الضائقة الإقتصادية؟ أم ضحيّة طموحات فضفاضة لم يعد ممكناً تلبيتها؟ أم ان المسألة تنطوي على قليل من هذا كله. لا أحد يعلم شيئاً، حتى بعض العاملين في المهرجان. وليس مؤكداً ان اللغز سيتفكك عمّا قريب.
المؤكد ان الثقافة دائماً ضحية فرق العملة. وهي في خطر اليوم أكثر من أي وقت مضى. وتالياً مستقبل الإنسان العربي في خطر، اذ لا يُمكن بناء إنسان سوي عندما تصبح الكلمة الفصل للمشاريع السياسية التي لا تقيم أي وزن للثقافة والفكر والفنّ.
أمس مهرجان دمشق سقط نتيجة الوضع العبثي الذي تعيشه المنطقة، ثم الدوحة، فأبو ظبي ومراكش ودبي، وغداً لا أحد يعلم من سيسقط!
توماس ادوارد لورنس فهم العرب جيداً عندما قال عنهم في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة"، بأنهم “أهل بدايات جيدة”، وإلا كيف نفسّر إلغاء مهرجان كان يُعتبر نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، سواءً لناحية التنظيم أو نوعية العروض أو الضيوف فالأفلام؟ مهرجان عرض أكثر من ٢٠٠٠ فيلم ودعم نحو ٥٠٠ مشروع من المنطقة، ووزّع ٢٠٠ جائزة. لعله يجب على القائمين ان يشرحوا لنا ماذا حصل فجأة، وخصوصاً ان دبي حريصة جداً على صورتها وهي تنفق أموالاً طائلة لهذا الغرض. ويحقّ لنا، نحن الإعلام الذي ساهم في تكريس هذا الحدث، ان نعرف لمَ أُجهض مشروع ناجح لا غبار عليه. فهذا الحدث الثقافي لم يخدم السينما فحسب، بل شارك في صناعة الحيز الحيوي لمدينةٍ لطالما كان هاجسها الأرقام القياسية والتقليعات الهندسية وأشياء من تلك التي تدغدغ الأحلام.
للأسف، هذا كله ينتهي فجأةً، بلا أي معنى، بعبثية ما بعدها عبثية، لنسأل: أي مستقبل للثقافة والفنّ والفكر في غابة الشرق الأوسط؟
السينما في حداد، لتُنكَّس الأعلام.
دبي
تعليقات: