معنا مستوصفات... معنا مدارس... معنا «كاش»... معنا صحون... معنا كبّايات...
هكذا بدأ البائع المتجوّل ينادي. حمل نفسه وأمواله من العاصمة إلى أعالي عكّار، التي زارها في المرّة الأولى حاملاً الوعود الورديّة وطالباً الأصوات الانتخابيّة، وزارها بعد ثلاث سنوات حاملاً وعوداً خائبة، وطالباً المشاركة في مهرجان قُرِعَت له طبول الحرب الأهليّة.
في المرّة الأولى، صنع البائع لأهالي القرى جدول أعمالهم الصباحي. علّمهم كيف ينهضون صباحاً، وكيف يشربون القهوة، وكيف يستقلّون الباص، وكيف يصلون إلى ساحة الشهداء. خاطبهم كالأطفال. فالفروق الطبقيّة تعطيه تفوّقاً يسمح له بالتخاطب من فوق.
وفي المرّة الثانية، بدلاً من أن يحمل لهم فرص العمل التي وعد بها، جاء ليعيِّرهم ببطالتهم. وطلب منهم أن يستبدلوا تدخين الأراكيل بما هو أكثر جدوى، داعياً النساء لجرّ الرجال إلى تلبية نداء الواجب والمشاركة في المهرجان.
سيغيب البائع المتجوّل من جديد. وسيعود مع الانتخابات النيابية المقبلة، حاملاً الصحون نفسها، والكبّايات نفسها، والوعود الفارغة نفسها. وسيجد باباً آخر لإظهار استعلائه الطبقيّ. قد يسخر من لهجتهم، أو ينصحهم بإقفال المزارع والتفرّغ للتصفيق، أو امتهان البكاء أمام الأضرحة.
سيغيب البائع المتجوّل من جديد. وسيعود مع الانتخابات النيابية المقبلة، ليبيع البضاعة ذاتها... ويعرضها على الزبائن أنفسهم. وبين غيبة وأخرى، سيحرص على أن تبقى الأمور على ما هي. أليست هذه وظيفة رجال الدولة؟
تعليقات: