أغلب الزّيجات في مجتمعنا فاشلة، لكنّها تستمدّة مخاوف ومبرّراترّ بسبب ع
في مجتمعِنا، ليس من السّهل أن تكونَ فتاةً... فمنذ الولادة يبدأ العدّاد بحساب السّاعات والأيّام والسّنين المتبقّية لها قبل أن "تعنّس"... قبل أن تصل إلى سنّ اليأس "المجتمعي"...
مباراةٌ لاقتناص العريس الأفضل... فتيات يبذُلْنَ كلّ ما في وسعهنّ لِيَظهَرْنَ بمظهرٍ يجذب أكبر عدد ممكن من العرسان... كعوب عالية، مكياج، عناية مفرطة بالبشرة، ريجيم قاسي للحصول على الجسم المثالي، تواجد متكرّر ومقصود في أماكن يكثر فيها الرّجال, ترقيق في الصّوت، "غندرة" في المشي، لبس على الموضة، وغيرها من الاستراتيجيّات للحصول على رجل "خرج زواج"... هكذا نبرمج فتياتنا منذ الصّغر بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة...
تلتقي فتاة غير مبرمجة بأقاربَ لها أو معارف فيدور بينهما الحوار التّالي:
مجهولة: كيف حالُكِ؟
الفتاة: الحمدلله
مجهولة: هل أنتِ مرتبطة؟
الفتاة: كلّا، لم يأتي النصيب بعد
مجهولة: مممممم، يلّا "شدّي" الهمّة!
الفتاة: حاليّاً أحضّر للماجيستير و"عم شدّها"!
مجهولة: مممممم، ألله يبعتلك نصيبِك
الفتاة: ومن بعدها ناوية كفّي دكتوراه
مجهولة: ألله يرزقِك إبن الحلال
الفتاة: و"عم علّم بمدرستين"
مجهولة: ممممممممم، انشالله "إنتي ومشغولة بعلمِكْ، ما يفوتِكْ القطار"
كلامٌ مُركَّزٌ حول موضوعٍ واحد؛ الزّواج، النّصيب، إبن الحلال...
يعتقد الّذين يتكلّمون دوماً بهذا الموضوع بأنّهم يريدون إبعاد الفتاة من خلال "دعواتهم" عن مرض "العنوسة" الفظيع... كما يخضع الشّاب لهذا النّوع من الضّغط ولكن ليس بنفس الدّرجة كالفتاة... فالفتاة بتركيبتها البيولوجيّة لديها عدد محدّد من السّنين للخصوبة... وكلّما زاد عمرُها عن الثّلاثين كلّما قلّت حظوظها بالزّواج- بنظر النّاس- وازدادَتْ نظرات التّعاطف والشّفقة تجاهها... "يا حرام، بعدها ما تزوّجت!"
لكنْ ما لم أفهمه يوماً هو، لِمَ تدفعونَ بنا نحو الزّواج بهذه القوّة، وأنتم أصلاً غير مرتاحين في زيجاتكم! فمن يشجّع الآخر على أمرٍ ما، عليه أن يكون قد جرّبه وحقّق من خلاله السّعادة والنّجاح... فليس المهمّ الزّواج للزّواج فقط أو لزيادة نسل بني آدم مثلاً...
أغلب الزّيجات في مجتمعنا فاشلة للأسف، ولكنّها تستمرّ بسبب عدّة مخاوف ومبرّرات غير منطقيّة، كالخوف من الطّلاق، الخوف من كلام النّاس، الخوف من غضب الأهل ومعارضتهم، الخوف من حاجة المرأة للرّجل ماديّاً، البقاء لأجل الأولاد، الإعتقاد بأنه لن يأتيَ شخصٌ أفضل من الطّرف الآخر، التّحريم الدّيني المبطّن من خلال اعتبار الطّلاق أبغض الحلال بحسب بعض الرّوايات.
أفكار مجتمعيّة مهترئة، نتوارثها جيلاً بعد جيلٍ، ولعلّ الهدف المشترك دوماً هو إلقاء اللّوم على الفتاة بالذّات...
الفتاة مَلومَة إذا لم تُعجِبْ "عريس لقطة" تقدّم للتعرّف عليها...
ملومة إذا لم تتزوّج...
ملومة إذا لم تُنجِبْ...
ملومة إذا خانها زوجها...
ملومة إذا وقع طفلُها الصّغير...
ملومة إذا عاشت من أجل نفسها بعيداً عن أسرتها بعض الوقت...
ملومة إذا انحرف أحد أبنائها...
ملومة إذا لم تتحمّل معاملة زوجها السّيئة لسنين طويلة...
ملومة إذا انتفضَتْ في وجه من يظلمها...
ملومة إذا فشل زواجها...
مُذنبة إذا تطلّقَتْ...
مُذنبة إذا فكّرَتْ مرّةً أخرى بالزّواج وهي أمّ مطلّقة...
والمُذنبة تُعاقَب طبعاً بأشدّ أنواع العقاب... بالحرمان من أولادها...
المرأة في مجتمعنا مُطالَبَة دوماً بالكثير، بإفناء ذاتها، بالتّضحية بلا حدود، بنسيان نفسها، بتقديم راحة غيرها وسعادته على حساب راحتها وسعادتها...
فهنيئاً للرّجال الّذين يعيشون في مجتمعنا، فكلّهم أبطال، ودوماً أخطاؤهم مبرّرة ومغفورة... فالرّجل له الحقّ بأن يعيش كما يريد، أن يتزوّج متى ما يريد، فهو عريس دوماً حتى لو تجاوز الأربعين... أمّا هي، فحدودها الثّلاثين، ومن بعدها "إعدام مجتمعي بطيء"...
يخاف الرّجل عادةً من المرأة التي تفكّر أبعد من الثّياب التي تلبسها وتسريحة شعرها وطلاء أظافرها... فهو يريد أن يشعر بأنّه أعلم منها، وأذكى وأفهم منها... قلالٌ هم الرّجال حقّاً، الّذين يفتخرون بالمرأة، بنجاحها وتفوّقها دون أن يحسّوا "بعقدة النّقص"، فهم قد اعتادوا على أدوار البطولة ومن الصّعب أن يتشاركوها مع بني "حوّاء"...
فيا حوّاء المفكّرة وغير المُبرمَجَة... أنتِ "غربال" الرّجال، فلن يقترب منكِ سوى أكثرهم ثقةً بالنّفس ووعياً وانفتاحاً...
كوني لنفسِكِ، وسيأتي يوماً وتكونين فيه لمن يستحقُّكِ كما أنتِ... سيأتي بشكلٍ طبيعيّ ومن دون ضغوط المجتمع... لا باكراً ولا متأخّراً، بل في الوقت المناسب فقط! قبل أن تبدئي بانتظاره، وقبل أن تشعري بالنّقص بدونه... سيأتي عندما تكونين مُكتفيةً بذاتك وستكتفين به أكثر.
* رودينا أحمد خشيش
ملاحظة: لا يعبّر هذا المقال بالضّرورة عن الحياة الشّخصيّة للكاتبة
تعليقات: