زراعة الجوري في البقاع: يا ورد مين يحميك؟
تغدق الطبيعة على مزارعي بعض القرى البقاعية في سفوح السلسلة الغربية بأفخر أنواع الورد الجوري. زراعة واعدة، لكنها لا تزال، منذ سنوات طويلة، تتقوقع في خانة المبادرات الفردية لغياب دعم الدولة وحمايتها
إنه موسم الورد في قرى مزرعة بيت صليبي وقصرنبا وتمنين وشمسطار على سفوح السلسلة الغربية. مع كل فجر ربيعي، تصافح أيادي المزارعين الأطباق الزهرية، تنتزعها من بين رفيقاتها، الأشواك والأزرار غير المتفتحة.
من كل الفئات العمرية يسابقون شروق الشمس، قبل أن تبدّد أشعّتها شذى بتلات الجوري، فيفقد زارعوها فرصة بيع الإنتاج. سائر افراد العائلة، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، يشاركون في القطاف. حتى من كان منهم على موعد مع مدرسة أو معهد أو جامعة أو وظيفة، يشارك في القطاف منذ الفجر، قبل التحاقه بعمله، لأن «ما فينا نعتمد على العمّال، وإلا ما بتعود توفّي معنا. فالدولة لا تهتم بهذه الزراعة، والتجار يأكلون البيضة والتقشيرة»، تقول الثمانينية زينب صليبي فيما تقطف بكلتا يديها اطباق الورد، وتضعها في كيس من الخيش مربوط الى خاصرتها.
زراعة الورد الجوري في هذه القرى استقدمها منذ عقود زوار العتبات المقدسة في إيران لاستعمالها كـ «سياج» لحماية الأراضي الزراعية من دخول المواشي اليها.
ماء الورد يستخدم لعلاج الحروق والرمد وفي صناعة العطور والحلويات
لاحقاً، اكتُشفت فوائدها في صناعة الزهورات البلدية وماء الورد المقطر الذي يُستخدم في الحلويات. في مزرعة بيت صليبي وقصرنبا وتمنين يُزرع الجوري في التلال المحيطة وفي السفوح العليا من السلسلة الغربية الى جانب بساتين الكرز. يلفت ابن المزرعة، محمد صليبي، إلى أن هذه الزراعة تستقطب غالبية مزارعي البلدة الذين يزيد عددهم على مئة وعشرين. لكنها، كما الزراعات التقليدية الأخرى، «لا تلقى الإهتمام من الدولة». ويضيف أن هذه الزراعة «متروكة، من دون دعم أو حماية، بين أيدي التجار الذين يتحكّمون بالسعر ويحشرون المزارع في الزاوية، فيكون بين خيارين: إما بيع غلته الصباحية بالسعر الذي يحدّده التاجر ولا يتعدى الأربعة آلاف ليرة للكيلو، أو تلفها».
غياب الحماية، بحسب المزارع علي شحاده، يتيح لبعض التجار استيراد Essence الورد واستعماله في انتاج ماء الورد، بجودة أقل وبأسعار تنافس ماء الورد المصنّع محلياً. و«المطلوب من الدولة فقط منع استيراد السائل المركّز (Essence) خلال فترات إنتاجنا».
عمل مزارعو بيت صليبي، بعد سعي استمر عامين، على تأسيس «جمعية تعاونية لتصنيع المقطرات في مزرعة بيت صليبي» في محاولة لنقل هذا القطاع من خانة المبادرات الفردية الى العمل التعاوني. لكن ذلك لا يلغي ضرورة الدعم الحكومي وأهميته لتحويل زراعة الورود الى واحد من القطاعات الواعدة التي يمكن ان يعول عليها اقتصادياً، سواء من الناحية الزراعية، او الصناعية بسبب الاستخدامات المتعددة لماء الورد طبياً (لعلاج رمد العيون والحروق) وفي تركيب العطور التي تستخدم خصوصاً في المزارات الدينية، وكذلك في صناعة الحلويات.
يذكر أن انتاج العام الماضي من الورد الجوري في البقاع بلغ نحو 40 طناً. إلا أن الأمطار والصقيع اللذين شهدتهما المنطقة منذ أيام قد يؤديان الى تراجعه هذا العام.
تعليقات: