الرئيس السابق للحزب وومثله الدائم لدى السلطة السياسيّة، النائب أسعد حردان
«خِربت» بهذه العبارة يمكن تلخيص الأزمة التي هبّت على الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤخراً. اقالات واستقالات واعتكافات وخلافات وتشتّت يطبع حزب أنطون سعادة الذي قارب أعوامه التسعون. النزاع في القومي انفجر على وجهٍ أساس داخل مجلس العُمد الذي يمثّل السلّطة التنفيذيّة، وتقاسمه حلفاء تقليديّون، أمّا السبب الظاهر فيعود لنتائج الانتخابات النيابيّة الفائتة.
ليس طرئاً على حزب "النهضة" أن يرزح تحت الازمات. اعتادت الزوبعة منذ سبعينات القرن الماضي أن تنتقل من أزمة الى أخرى. المشترك بين جميع الازمات هو صراع النفوذ ونزاع الحكم بين اجنحة متعدّدة كانت تنبت داخل حزب ضربته الديمقراطيّة في مقتل، لكن الازمة الناشئة تُعد الأخطر من بين ما سبق، أنها ازمة بين الحلفاء، بين فريق الحكم الواحد لا تندرج ضمن خانة الاسباب التاريخيّة التي شهدت على نزاعات فاقعة، هذه المرّة الخلاف بين الافرقاء المتقاسمين للسلطة!
للمرة الأولى، تبدو احاديّة الجناح الأقوى، الرئيس السابق للحزب وومثله الدائم لدى السلطة السياسيّة، النائب أسعد حردان في خطر، الرجل فقد الكثير من قدرته على السيطرة بفعل نمو حضور قادة الصف الثاني الذين كانوا حتى الامس القريب يحسبون عليه، أمسوا بحسب العارفين في الحزب يخرجون عن شوره ولا يسمعون كلامه، وهذا ترجم خلال تقديمهم لاستقالاتهم التي جاءت بعكس إرادة حردان.
وَجَدَ "المُتَمرّدون" في ذريعة نتائج الانتخابات الحصان الذي سيقودهم إلى خارج مضمار حردان ويرفعهم إلى مستوى ترويج التغيير من بوابة الرئيس الحالي حنّا الناشف عبر تحميله مسؤوليّة النتائج المتواضعة في الانتخابات علماً أن رئاسته للحزب لم تطفئ شمعتها الأولى بعد، وتحميله المسؤولية "فيه مبالغة".
حردان رمى بنتائج الفشل على السلطة التنفيذيّة علماً أنه يقف خلف اختيار غالبيّة اعضائها نظراً لـ "طبش" ميزان القوة لصالحه داخل المجلس الاعلى (مركز السلطات)، أما الناشف فيرمي الاسباب على المسؤولين الذين اداروا الملف الانتخابي وآخرين من "مروجي الارقام" الذين قدّموا إليه دراسات تبيّن أنها تختلف عن الواقع، أمّا العُمد حلفاء حردان السابقين والمتّهمين من قبله بالمسؤوليّة عمّا جرى، فيقومون بدورهم بوضع الأسباب على كاهل الناشف بوصفه الرئيس.
لذا قرّروا من على اطلال الانتخابات البدء بورشة "تصحيح المسار" دون أن يقدّموا آليّة جديدة غير رمي الاستقالات على الطاولة وتعطيل ومقاطعة اجتماعات مجلس العُمد المستخدم من قبلهم كأداة للضغط وتطويع الناشف لدفعه صوب الاستقالة وتنصيب واحداً منهم رئيساً، لكن الامر لا يمرّ بهذه السهولة لكونه ينطوي على خلافات متوقع أن تكون أشد وأقصىى.
المقرّبون من الناشف ينقلون عنه شكواه الدائمة منذ ما قبل الانتخابات، من "اسلوب التطويق والتضييق" الذي يعاني منه، وحرمانه من ادخال اصلاحات، مسلّطين الضوء على التجاوز الذي تجسّدَ خلال فترة الانتخابات عبر قيام الايادي الخفيّة التي تنعم بتغطية، بإدارة الانتخابات ترشيحاً وتحالفاً من وراء ظهر المؤسسات الدستوريّة ومن خلف الكواليس.
وعن سبب الاخفاق في الانتخابات، يسحبون الاتهام من دائرة الناشف ويضعونه عند بعض المسؤولين الذين قدّموا ارقاماً منفوخة لأعداد القوميين المهيئين للاقتراع. فبينما جرى الحديث عن آلاف الاصوات، سجّلت الصناديق نسبة مشاركة لم تتجاوز لـ 25%، وفق مصادر قياديّة، ما يدل على عدم التزام واضح، أسبابه ودوافعه ترتبط بالاسماء والتحالفات، ما دفع بعميد شؤون المعلوماتيّة سعيد القزي لتقديم استقالته كنتيجة طبيعية للإخفاق.
الناشف أراد وضع اليد على الجرح قبل أن يكبر، فاستهل خطواته بإصدار قرار قضى بحلّ جميع المندوبيّات السياسيّة التابعة للحزب في لبنان بصفتها مسؤولة أولى عن الاخفاق، تقول المصادر أنه سعى من خلف ذلك إلى محاسبة المسؤولين، لكنه تفاجأ بحملة شنّها الطرف الآخر عليه عبارة عن تقديم استقالات واعتكاف عُمُد ومقاطعة آخرين حضور الاجتماعات، أبرزهم عميد الداخليّة المنوطة به الاعمال الاداريّة الذي تقدم باستقالته إلى جانب عميدي الخارجية حسان صقر وشؤون الجامعات جورج جريج.
يصبوا العمداء المعتكفون والمستقيلون من خلف خطواتهم لمحاولة خلق "صدمة داخل الحزب" يريدون لها أن تكون ايجابيّة، تأخذ شكل "تصحيح المسار"، لكن الطرف الآخر يعتبر أن ما يقدمون عليه ينطوي على "نوايا كيديّة خلفها تصفية حسابات مع رفاق سابقين"، لكن الاخطر اعتقاد بعض المتابعين أن "عمليّة وراثة السيطرة داخل الحزب القومي بدأت تسلك مسارها نحو التطبيق في ظل تراجع حضور القادة القدامى، إن بعامل السن أو المرض أو تعاظم الخلافات أو تآكل النفوذ " متوقّعين رزوح الحزب تحت هذا النمط لفترة طويلة".
وفي رأي الجناح الدافع صوب التغيير إن الخيار الامثل يجب أن يبدأ بمحاسبة لكل المسار السابق ومن ضمنه الانتخابات، واجراء قراءة شاملة لعوامل الفشل التي طبعت الاعوام السابقة كي يصار للانتقال إلى مرحلة إعادة انتاج السلطة واعداد قراءة جديدة للنهوض بالحزب، وهذا يحتاج إلى مؤتمر عام شامل يضم جميع القوميين، المعارضين والموالين، المعتكفين والمغادرين وسواهم، لان مشكلة الحزب القومي تتلخّص بوجود عقليّة حكم الغائيّة سائدة لا تتطوّر بمجرى الزمن، فوجب وقف نشاطها والانتقال إلى مرحلة جديدة.
مصادر قوميّة محسوبة على الجناح المعارض الاكثر تشدّدًا قالت لـ "ليبانون ديبايت" أن ارتدادات الازمة الراهنة ستكون عاصفة وعظيمة وتختلف نتائجها عن الازمات السابقة لكونها مندلعة بين عناصر الحكم أنفسهم" معتبرةً أن الحلّ الوحيد لأنهاء هذه الحالة الشاذة يقضي بـ "وجوب إعادة انتاج السلطة على قاعدة عدم إبقاء القديم على قدمه بل البحث عن البديل الحديث".
واعترفت بأننا كنا "نتوقّع أن نصل إلى هذا المستوى من الصراع داخل الجسم القيادي كنتيجة فعليّة للإدارة السيئة للحزب المتبعة منذ أعوام، فليس غريباً أن ينسحب التناتش إلى مستوى أعضاء الفريق الواحد، اصحاب المصالح القابعين على ظهر الحزب، نسبة لانهم اخلوا الساحة من المعارضين الحقيقيين ولم يبقَ لهم إلّا أن يتناتشوا بعضهم بعضاً".
* عبدالله قمح - ليبانون ديبايت
تعليقات: