بالأرقام: أزمة العقارات تكبر

تراجع حاد في حجم المشاريع التي تم إطلاقها (علي علوش)
تراجع حاد في حجم المشاريع التي تم إطلاقها (علي علوش)


منذ العام 2011، تشهد السوق العقارية أزمة كبيرة تطوّرت بالتوازي مع تراجع غيرها من المؤشّرات الاقتصاديّة. لكنّ احصاءات بداية العام 2018 توحي بأنّ القطاع مقبل على ما هو أخطر من أرقام السنوات الماضية السيّئة أساساً. وإذا كانت الأزمة استدامت سابقاً بفعل تراجع الطلب من المستثمرين الأجانب والمغتربين، فالواضح أن أزمة قروض الإسكان هذه السنة ضربت آخر مصدر للطلب من المشترين المحلّيين.

احصاءات "إنفوبرو" لمنطقة بيروت والأقضية المحيطة بها تظهر تراجع عدد المباني المباعة منذ بداية السنة إلى حدود 107 مباني. وهو ما يعكس بحسب هذه الأرقام تراجع نسبي قدره 23% مقارنةً بأرقام السنة الماضية. وفي تفاصيل نسب تراجع المبيعات، حلّت الضاحية الشماليّة لبيروت أوّلاً بنسبة تراجع بلغت 55%، تليها كسروان بـ46%، ثم المتن بـ33%، وبيروت 13%. في المقابل، حافظت كل من بعبدا والضاحية الجنوبيّة على حجم المبيعات نفسه، وكانت عاليه المنطقة الوحيدة المشمولة بالاحصاء التي نمت فيها المبيعات بنسبة 20%.

ويزيد من سوداويّة المشهد ترافق التراجع في المبيع خلال هذه الفترة مع زيادة حجم العرض كذلك في هذه المناطق. إذ يبدو أنّ تراجع عمليّات الشراء ساهم في تضخّم حجم الوحدات العقاريّة غير المباعة والمعروضة للبيع. فزاد عدد المباني التي تعرض شققاً للبيع من 2286 في حزيران 2017 إلى 2421 في حزيران 2018. بمعنى آخر، تضخّم العرض في هذه المناطق هذه السنة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية بنسبة 6%. هذا المشهد يمكن اعتباره أحد العوامل التي ستضغط خلال هذه السنة على أسعار العقارات في اتجاه انخفاض إضافي.

تراجع الطلب مع تضخّم المعروض أدّى إلى تراجع حاد في حجم المشاريع التي تم إطلاقها هذا العام. وهو واقع يرتبط بالتأكيد بالمشهد المقلق في القطاع إثر حدوث أزمة قروض الإسكان. فعدد المشاريع التي تم إطلاقها هذه السنة بلغ 193 مشروعاً، بتراجع نسبي قدره 23% مقارنة بأرقام العام الماضي.

وتركّز هذا التراجع تحديداً في قضاء كسروان، حيث تراجع عدد المشاريع الجديدة بنسبة 46%، تلاه بعبدا بنسبة 37%، والمتن 30%، والضاحية الشماليّة 23%، وعاليه 16%. وتكمن المفارقة في أنّ الضاحية الجنوبيّة شهدت زيادة في عدد المشاريع الجديدة بنسبة 8%، وكذلك بيروت بنسبة 3%.

أرقام بيروت والأقضية المحيطة تتماشى تماماً مع الأرقام التي نشرتها وزارة المال عن السوق العقارية في لبنان كله للثلث الأوّل من هذه السنة. إذ تظهر هذه الأرقام تراجع عدد عمليّات البيع العقاري إلى حدود 17,651 عمليّة في هذه الفترة، مقارنة بـ22,966 عمليّة في الفترة نفسها من العام الماضي. في المحصّلة، يكون عدد عمليّات البيع العقاري قد تراجع بنسبة 23% بين الفترتين. وهو ما يعني أنّ المشكلة المستجدّة أرخت بظلالها على القطاع في جميع المناطق ولم تقتصر على المناطق التي شملها احصاء "إنفوبرو".

ولعلّ الأهم من تراجع عدد عمليّات البيع العقاري في كل لبنان، هو التراجع في الحجم الاجمالي لهذه العمليّات. إذ تراجعت قيمة عمليّات البيع في الثلث الأوّل من هذه السنة إلى حدود 2.5 مليار دولار، مقارنةً بـ3.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يعكس انخفاض بنسبة 20%.

ومن اللافت للانتباه في احصاءات وزارة المال هو نيل الشمال الحصّة الأكبر في عدد عمليّات البيع العقاري بـ2877 عمليّة، بينما نالت بيروت الحصّة الأصغر مقارنة بكل المناطق بـ1207 عمليّات. لكنّ العكس يصح إذا أردنا احتساب قيمة العمليّات حيث تحل بيروت أولى بين جميع المناطق بنسبة 27% من اجمالي قيمة العمليّات، بينما لا يحصل الشمال إلّا على 6.7% من قيمة العمليّات. وتدل هذه الأرقام على التفاوت الكبير في قيمة العقارات ونوعيّة عمليّات التي تتم بين المناطق المختلفة.

أمّا عدد العمليّات التي قام بها أجانب، فلم تتجاوز 367 عمليّة. وهو ما يعكس استمرار الإحجام في دخول المستثمرين الأجانب للسوق العقارية في لبنان. هذه العمليّات، تركّزت بشكل أساسي في مناطق بعبدا وكسروان والمتن، حيث نالت الأقضية الثلاثة نحو نصف عمليّات الشراء التي قام بها أجانب خلال هذه الفترة.

كل الأرقام لبداية العام 2018 تؤشّر إلى أزمة أكبر تنتظر القطاع العقاري، خصوصاً أن مشكلة القروض السكنيّة ظهرت بينما كان يعاني القطاع أساساً من أزمة مستمرّة منذ سنوات. ويُفترض بهذه الأرقام أن تؤشّر إلى تحوّلات أقسى ستطرأ مستقبلاً على بنية الأسعار في السوق، خصوصاً أن ثمّة عدداً كبيراً من المشاريع السكنيّة التي تمّ إنجازها يعتمد بشكل أساسي على الطلب من ذوي الدخل المتوسّط الذين كانوا يعتمدون سابقاً على القروض السكنيّة للتملّك.

تعليقات: