وزارة الإقتصاد تحذّر: الألبسة المستعملة تضر بالصحة والبيئة


تبحث أحزاب السلطة المجتمعة في مجلس الوزراء، اقتراح وزارة الاقتصاد منع استيراد الألبسة المستعملة "لأسباب صحية وبيئية". وبرر وزير الاقتصاد رائد خوري الاقتراح الذي قدمه إلى الحكومة بتاريخ 16 أيار 2018، بأن هذه البضائع تساهم غب إغراق الأسواق اللبنانية. وينتظر خوري "قرار الحكومة بشأن منع الاستيراد كلياً"، وفق ما قاله في حديث إلى "المدن".

قطاع الألبسة المستعملة، أو ما يعرف بألبسة "البالية"، هو قطاع ليس بصغير في لبنان ودول العالم، ولا ينحصر بالدول الفقيرة، بل ينتشر حتى في الدول المتقدمة، مع مراعاة درجة جودة الألبسة بين النموذجين من الدول. فهذه التجارة تدر أكثر من 5 مليارات يورو كل عام في أوروبا.

ويزداد اعتماد اللبنانيين على قطاع الألبسة المستعملة، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الفقر والبطالة. وعلى عكس الصورة النمطية المتعلقة بألبسة "البالية"، والتي تصوّر أن كل الألبسة المستعملة غير ذات جودة، فإن جودة هذه الألبسة تتوزع إلى أبواب، تماماً كما الألبسة غير المستعملة، ويمكن للمرء شراء بضائع لعلامات تجارية عالمية.

رغم ذلك، فإن لهذا القطاع وجهاً آخر، وهو البضائع ذات الجودة المتدنية، أو تلك التي تتردّى حالتها وتتسبب بأمراض جلدية لمن يرتديها، وهو ما تستند إليه وزارة الاقتصاد لتبرير رأيها أمام مجلس الوزراء، مضيفة إلى هذا السبب، رمي الألبسة بطرق عشوائية. ما يحدث ضرراً بيئياً. لكن الناحية السلبية، لا يمكن معالجتها عبر إقفال القطاع في وجه فئة من الناس تعتمد عليه لإكساء نفسها، ولا يمكن لهذه الفئة ببساطة، أن "تستبدل شراء الثياب من البالية بثياب صينية جديدة ورخيصة"، كما اقترح خوري. فاللجوء إلى منع الاستيراد تحت حجج صحية وبيئية، هو بمثابة من يبحث في الضوء عن أزمة اختلقها في الظلام، إذ إن حماية الإنتاج المحلي، وحماية اللبنانيين من الأمراض، وحماية البيئة، تكون باعتماد سياسيات حمائية. فهل الدول الأوروبية التي تضع صناديق في الشوارع، مخصصة لرمي الملابس التي لا يحتاج إليها أصحابها، غير حريصة على صحة مواطنيها؟

إن الحرص على سلامة المواطنين من الأضرار الصحية التي قد تصيبهم نتيجة ارتداء ألبسة مستعملة، يأتي من خلال حمل الألبسة بكتيريا تتكون نتيجة التخزين غير الصحيح، سواء أكان خلال نقل البضائع إلى لبنان، أو خلال تخزينها في لبنان لفترات طويلة بشروط غير صحية، فضلاً عن عرض البضائع تحت الشمس والأمطار وفي محال وأسواق مكشوفة لفترات طويلة. عليه، ينبغي لوزارة الإقتصاد مراقبة الأسواق ضمن حملات منظّمة ودورية. وقبل ذلك، على الوزير إثارة موضوع التهريب والتفلّت في الجمارك، الذي يسمح بدخول بضائع غير مطابقة للمواصفات والشروط الصحية، فيكون الحل بضبط الفساد من المصدر، وليس إقفال قطاع حيوي.

وفي الشق البيئي، لا يمكن للألبسة المستعملة أن تهدد البيئة أكثر من المطامر والمكبات العشوائية التي تتراكم في لبنان أمام أعين وزارة الاقتصاد والحكومة مجتمعة. فنفايات الألبسة يمكن إعادة تدويرها والاستفادة منها فيما لو كان لدى الحكومة خطط ناجحة لملف النفايات. ما يعني أن ما يصفه خوري بأنه ضرر على البيئة، هو مصدر لمنتجات يعاد تدويرها. لكن، من لا يهتم بإعادة التدوير وحماية البيئة بطريقة صحيحة، سيضع اللوم على الألبسة المستعملة.

الغريب أن السببين، الصحي والبيئي، يجدر بهما لفت نظر وزارتي الصحة والبيئة، وليس وزارة الاقتصاد. لكن ذلك لم يحصل، إذ لم يصدر عنهما أي إعلان عن خطر تسببه الملابس المستعملة. فهل يتخطى خوري صلاحيات وزارته؟ أم أن هناك ما يُحاك خلف الحجج الصحية والبيئية؟

حجة خوري سرعان من تُفهم في سياق آخر، بعد ربطها بـ"الصراعات بين كبار تجار الألبسة، الذين يتوزعون على تجارة الألبسة الجديدة والمستعملة"، على حد تعبير مصادر في جمعية تجّار بيروت. فالصراعات التجارية "تمتد إلى الحكومة". ولا يعود الأمر مستغرباً حين يُكشف عن "مصالح مشتركة بين كبار التجار وعدد من السياسيين، نواباً ووزراء، فضلاً عن عدد من كبار الأمنيين المعنيين. ومن الطبيعي أن تتخذ الحكومة قرارات تصب في مصلحة جهة على حساب جهة أخرى، وعلى حساب الناس أيضاً".

وبحسب المصادر فإن "تجاراً يُدخلون بعض الألبسة الجديدة على أنها مستعملة، مستفيدين من غياب الرقابة الحقيقية للدولة، ويغرقون الأسواق بها، ويراكمون أرباحاً تصل إلى 200%. مقابل تجار يدفعون أكلافاً جمركية مرتفعة على بضائعهم. ما يفقدها قدرتها التنافسية أمام البضائع الأخرى". غير أن مطالب بعض التجار، تستوجب إيقاظ الدولة من نومها، وليس الإضرار بمصلحة ذوي الدخل المحدود الذين يستفيدون من فروقات الأسعار. أما الجانب الأخلاقي المتعلق بالحفاظ على مصلحة الدولة وخزينتها العامة، فهو مسؤولية الدولة نفسها التي تتغاضى عن الهدر والفساد الحقيقي في مرافقها العامة.

تعليقات: