باسيل هو من افتتح معركة رئاسة الجمهورية (علي علوش)
| الأربعاء 11/07/2018 شارك المقال : 0Google +00
ليس ما تشهده الساحة المسيحية صراعاً عادياً. وهو ليس وجهاً من أوجه الاختلاف على الحصص والأحجام. ما يمر به الأفرقاء المسيحيون والزعماء الموارنة تحديداً، هو حلقة جديدة من حلقات الصراع على الزعامة. ليست استعادة حزب الكتائب وجوهاً قيادية فيه كانت قد توارت عن الانظار في الفترة الماضية، منفصلة عن هذه التحولات، واحتياجات المرحلة. تاريخياً، كان الزعماء المسيحيون يفتحون الحروب ويعززون الجبهات السياسية ضد خصومهم أو شركائهم في الوطن، لتعزيز وضعياتهم الداخلية. وحين تغيب عوامل الطرف الطائفي الآخر يلجؤون إلى التناحر في ما بينهم.
المقولة التاريخية الثابتة في لبنان، هي أن كل مولود ماروني ينمو وينمو فيه حلم رئاسة الجمهورية. في السنوات القليلة الماضية، تعزز توارد الحلم والفكرة وتطورا، فأصبح كل مولود ماروني يحلم بأن يدخل المدرسة الحربية، يصعد سلّم الترقيات ليصبح قائداً للجيش وبعدها يكون مؤهلاً أو صاحب حظ للوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى. إنها متلازمة الموارنة مع الرئاسة. وفي سبيلها لا موانع أمام النوازع.
ما تشهده الساحة المسيحية اليوم من خلافات متجذّرة بين الأفرقاء، تتخطى الحصص والتفاهمات والتوافقات. هنا، لا مجال للترف، ولا للتساوي. براغماتية مغلّفة بخطابات شعبوية وسقوف مرتفعة، لأن الضرورات تبيح المحظورات. طرف يستند إلى السلطة وتعزيز العهد ويبني نفسه بمنظومة سياسية وخدماتية. وآخر يطرح تغييراً بنوياً في البنية الإدارية والسياسية في الدولة، يسير بهدوء لتعزيز حضوره. وثالث لجأ إلى صيغة المجتمع المدني في مواجهة الطبقة السياسية والوقوف في صفوف المعارضة، والارتكاز على مواجهة مشكلات اجتماعية وبيئية. أما الطرف الرابع، فلا يزال ثابتاً عند زاويته السياسية. يلتقي الطرفان الثالث والرابع على رفض اتفاق ثنائي جمع الطرفين الأولين، ويصفانه بأنه محاولة اختزال المسيحيين وإلغائهم.
في أي حال، هذا التفاهم سقط. الزعامة أكبر من أن يحصرها مثله. القصّة أصبحت في مكان آخر، لذلك فإن كل الاستحقاقات مؤجلة. لا الوضع الاقتصادي، ولا ملف اللاجئين، ولا الأوضاع المعيشية ولا غيرها، تحتل سلّم الأولويات. مبحثها ينطلق من تكريس الزعامة وتعزيزها. وهذه المعركة فتحت بعد الانتخابات النيابية، وفي ضوء النتائج التي أفرزتها. إنها معركة رئاسة الجمهورية التي فتحت باكراً، وهي بدأت داخل قوى الثامن من آذار، بين جبران باسيل وسليمان فرنجية. يعتبر فرنجية أنه وريث العهد الطبيعي، بناء على معطيات إقليمية، وبناء على عهد أو وعد قطعه له حزب الله، بالإضافة إلى علاقته الجيدة بالنظام السوري، الذي تجري عملية إعادة تعويمه وتسييده على سوريا، وبعدها على لبنان. هذه الظروف ستخدم فرنجية وتعبّد طريقه. لذلك، يبدو الأكثر هدوءاً حالياً.
أما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فكان أول من فتح هذه المعركة، يستند فيها على منطق الرئيس القوي، والزعيم المسيحي صاحب الكتلة النيابية الأكبر، وطالما عرف إيصال الرئيس القوي إلى سدة الرئاسة الأولى، فهو الأحق في ذلك، نظراً لحجمه. يعزز حظوظه وظروفه بالاستناد إلى قوة العهد، وإلى كم هائل من المقترحات والمشاريع، ومن بوابة الإدارات والمؤسسات، التي حقق فيها غزواً لا مثيل له، بحيث يتهمه المسيحيون الآخرون بأنه احتكر التمثيل المسيحي في المؤسسات والإدارات في التعيينات التي حصلت، وهو استند على مبدأ غزو الإدارة بعنصر الشباب، في رؤية بعيدة المدى، تبقي سيطرته وتأثيراته فيها لسنوات مديدة.
في المقابل، يفتح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع معركتين. الأولى سياسية بعناوينها وتشعباتها وتقاطعاتها الإقليمية، وثانية محلية، سياسية وإدارية عنوانها مكافحة الفساد وتصويب عمل المؤسسات، بالإضافة إلى تعزيز حضور القوات في الساحة المسيحية، وخصوصاً في عنصر الشباب، بعد أخطاء كثيرة ارتكبها التيار الوطني الحر في ذهابه باتجاه رجال الأعمال. رهان جعجع الخارجي ينطلق من امكانية حصول تحولات معينة، يستند عليها فتقلّه إلى بعبدا، بحيث يكون حلّاً وسط لتقاطعات معينة، ويستند إلى معركة داخل الشارع المسيحي، على الصعيد الشبابي. وهو ما أظهرته الانتخابات. يعمل جعجع بهدوء لتكريس زعامة القوات، التي تبدو متحققة بالنسبة إليه في الاستحقاق الانتخابي المقبل. وتصل إليه مواقف إيجابية حتى من أعتى خصومه، كالثابت على مواقفه، وغير المتلوّن أو المتغير تحت أي ظرف من الظروف. بالتالي، فإن أي تفاهم معه قابل للاستمرار لا النقض أو التقلب. لكن هذه تحتاج إلى تفاهمات أو تسويات سياسية، لتسهّل له ما يريد تحقيقه. وهذا يوجب تقارباً، أو على الأقل نوعاً من الحوار مع حزب الله. الدور هنا سيكون للرئيس نبيه بري، الذي يقول بجعجع في أوساطه كثيراً من الكلام الإيجابي.
تعليقات: