د. سناء الشعلان: العمل الإبداعي يحتاج إلى الحيادية والموضوعية

د. سناء الشعلان
د. سناء الشعلان


والنظرة العادلة

قاصة وروائية وناقدة أردنية، من مواليد 1977. حاصلة على دكتوراه لغة عربية/ نقد حديث من الجامعة الأردنية وتعمل أستاذة فيها، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، لها العديد من المؤلفات من مجموعات قصصية وكتب نقدية وقصص الأطفال، حاصلة على عدة جوائز أدبية.

ـ أصدرت حديثا كتابًا نقديًا بعنوان (الأسطورة في روايات نجيب محفوظ) ما السبب الذي قادك إلى تخصيص كتاب عن الأسطورة في كتابات نجيب محفوظ؟ ولماذا نجيب محفوظ بالذات؟

* دراسة الأسطورة في الرواية قادرة على تفكيك الوعي واللاوعي والمحمولات النفسية والعقدية والتاريخية في المشهد الفكري الروائي، كما أنّها قادرة على فضح الواقع بصورة ذكية عبر الاختفاء داخل رداء الأسطورة الفضفاض الذي يقول ما يريد بطريقته الملغزة، ونجيب محفوظ قد توافر على تجربة عملاقة نوعًا وكمًّا استمرّت نحو ستين عامًا، وهي تجربة قد استثمرت الأسطورة بمستويات مختلفة، وأردية شتى، وقدّمت أمثلة روائية رائدة ومدهشة على البناء الروائي القائم في حقيقته على تفكيك الأسطورة وإعادة بنائها من جديد ضمن رؤية جديدة، وتحليل خاص.

ـ كتابك الآخر الذي صدر حديثا (السرد الغرائبي والعجائبي في الرواية والقصة القصيرة في الأردن) لماذا تطرقت إلى الرواية والقصة في الأردن فقط، هل استطاعت الرواية أو القصة الأردنية أن تلعب دورا بارزا في المشهد الروائي والقصصي العربي؟

* من صالح البحث العلمي والدراسة النقدية أن تبغي التخصيص والتحديد والحلقات الضيقة من أجل أن تستوفي الدراسة أركان الدّقة وصولاً إلى أقرب النتائج إلى التخصيص ما لم تكن طبيعة الدراسة تستدعي عكس ذلك، وفي ضوء هذه الرؤية اخترت أن تكون الرواية الأردنية والقصة القصيرة في الأردن هما حقلا دراستي للسرد الغرائبي والعجائبي بعد أن خلصت بعد دراسة شاملة إحصائية أوليّة أنّ هذا النّوع من السّرد قد احتلّ حيّزًا كبيرًا من الأدب الأردني، وطفق يغزو المشهد الإبداعي في الأردن لأسباب مفترضة عرضت لها باستفاضة في الكتاب.

ـ تكتبين الرواية والقصة والنقد والمسرح والدراسات في البحث الأدبي وأيضا للطفل، ما سبب توجهك للتنويع في الكتابة الأدبية، وهل أنت مغامرة، خارجة عن أي نمط؟

* أجد نفسي في كلمتي أيًّا كان جنسها الإبداعي أو النّقدي، لا أعرف إخلاصًا لقيد شكلي اسمه جنس أدبي بعينه، فأنا مستسلمة تمامًا لحالتي الإبداعية والنقدية، منساقة وراءها مادامت تمثّلني، وتهبني لحظة الانعتاق التي أنشدها،وتتماهى مع روح التمرد والمغامرة والخروج على ما يجب الخروج عليه في لحظات الإبداع التي تتسع عندي لتشمل الكثير من الفنون الكتابية النثرية والنقدية.

ـ روايتك (السقوط في الشمس) مكتوبة بلغة شعرية، وكذلك مجموعتك القصصية (احك لي حكاية) وأيضا (الجدار الزجاجي) فهل تفضلين اللغة الشعرية على غيرها، وهل تجعلينها بطلا في أعمالك الإبداعية؟

* اللغة هي بطل حقيقي في المنجز الإبداعي النثري والشعري، فهي الحامل للفكرة وللمنجز الإبداعي،بل إنّها الحقيقة الواقعية المجسّدة للفكرة،ولا يكون المنتج إبداعًا إلاّ عبر تحقّقه حقيقة ووجودًا وواقعًا عبر كلمات وجمل وفقرات مكتوبة. ولعلّ اللغة الشّعرية تضطلع بالمزيد من الوظائف النفسية والجمالية والإيصالية إن أحسن توظيفها واستدعائها عند المبدع.

ـ لماذا اخترت كتابة القصة القصيرة، هل لأن روحك الأدبية مكونة لهذا الجنس الأدبي الشيق، أم لأن هذا العصر هو عصر السرعة ولم يعد متسع من الوقت لقراءة الرواية مثلا، هل يمكن القول بأن فن القصة القصيرة مدرسة عظيمة للتهذيب؟

* القصة القصيرة هي من اختارتني،ولست من اختارها،فلا أحد يملك أن يختار الإبداع والموهبة والهبات التي يريد، ولو كان الأمر كذلك، لتساوى البشر في الفضل والخير والإبداع، ولكن قدرنا البشري المحتوم هو أن نستجيب لأقدارنا وأنصبتنا من المقدّرات، ولذلك فأنا مستسلمة لنداء القصة القصيرة داخلي، وهو نداء يأسرني بقوة، ولا أسعى لتحليل سببه أو التحرّر منه، كما لا أسعى في الوقت نفسه إلى أن أكون لصيقة به، القضية باختصار أنّ القصة القصيرة عندي هي ترنيمتي التي أتقنها وأسعد بها، وأقول بها ما أريد، لعلّها تقول بي ما يجب أن تقول.

ـ يدعي بعض النقاد أن القصة القصيرة هي مجرد تدريبات كتابية تسبق الرواية، وهناك من يقول إن واقع القصة العربية يعطي انطباعا بائسا وتعيسا لا يدعو إلى التفاؤل، وبالمقابل هناك من يقول إن القصة العربية اليوم بخير وأن شعبيتها تزداد يوما اثر يوم، ما رأيك وأنت الأديبة والناقدة؟

* أعتقد أن القصة القصيرة حقيقة إبداعية فرضت نفسها بجمالياتها وإلحاحها على الكثير من القضايا العالقة عبر توليفة ذات خصائص نسقية وجمالية واجتماعية من الصعب تجاوزها، أو العودة بها إلى قرون سالفة من أجل إعدامها أو إجهاضها، ولذلك القصة القصيرة حقيقة طبيعية جديدة بمعنى ما، وما يتوقع منها هو أن تترعرع وتنمو لا أن تضمر وتنقرض.

ـ كيف تنظرين إلى دور اللغة في العمل القصصي، وهل اللغة تضمن نجاح النص القصصي؟

* اللغة نصف العمل المبدع، وأكثر من نصفه إن كان الاستعراض اللغوي هو هدف العمل الأساسي، ولذلك من المستحيل أن نفكّر باللغة بغير اللغة، أو نفكّر بالعمل الإبداعي بغير اللغة، ومن يدّعي غير ذلك إنّما هو يقدّم فوضى صوتية وفكرية لا تستطيع أن تحمله أو أن تحمل عمله المنشود إلى غايته الأولى، وهي التواصل الفكري والمعرفي والجمالي.

ولكن اللغة في الوقت ذاته لا تكفل تقديم عملاً قصصيًّا ناجحًا ما لم تتوافر فيه باقي عناصر العمل القصصي الناجح من سرد ومكونات وبنية ورؤية وخصوصية بالتقديم والطّرح.

ـ هل استفادت الأديبة د.سناء من النقد، وهل استفادت الناقدة د. سناء من الأدب؟

* أعتقد أن سناء المبدعة استعارت الأدوات النقدية من سناء الناقدة في سبيل أن تكون الناقدة الأولى والمخلصة لكلّ ما أنتج، في حين تعلّمت سناء الناقدة من صنوها المبدعة أن تكون قادرة على تفكيك العمل الإبداعي، وقراءته بروح المبدع الذي يعرف كيفية الغوص إلى جوانيات العمل الإبداعي، ولا يكتفي بموقف المعاين الذي لا تجاوز نظرته سطح العمل المطروح للدراسة.

ـ هل على الروائي أن يلتزم بقوانين معينة على الرغم من أن الأدب لا يمكن وضعه في قوالب جاهزة؟

* أعتقد أن القاعدة الأساسية في الإبداع تختصر في أنّ «لا قاعدة للإبداع»، ولذلك من المستحيل أن تحصي طرقًا وقوالب بعينها ينصح بها لصناعة رواية أو قصة مثلاً،فالمبدع يحتاج بالدرجة الأولى إلى موهبته، ومن ثم إلى ثقافته واطلاعه وانخراطه في واقع تجربته الإنسانية والجمعية.

ـ كناقدة، كيف تقرئين النص الأدبي؟ هل لك أن تحدثينا عن استراتيجيتك في القراءة النقدية؟

* الناقد هو مبدع بدرجة مفارقة للمبدع الخالق للعمل،فالثاني يعيد تفكيك العمل لبنائه في منظومة دلالية ومعرفية تستند إلى أرضيته المعرفية والإدراكية ومنظومته الترميزية،في حين أنّ الثاني يبني العمل على معطيات تحليلية ترميزية. والعمل الإبداعي يحتاج إلى الحيادية والموضوعية والنظرة العادلة والأدوات النقدية ليحظى بنقد بناء صادق،وأنا أسعى بقوة إلى استحضار هذه المعطيات النقدية في كلّ منجز أعاينه.

ـ بعض النقاد متهمون بأنهم لا يكتبون بموضوعية عن النص الإبداعي الجيد، وأيضا بعض النقاد يصعبون لغتهم، أليس من الأفضل سهولة اللغة والتعبير عند الكتابة النقدية، ماذا تقولين في ذلك وأنت الناقدة؟

* الأفضل والأجدر أن يكتب الناقد بموضوعية وحيادية وبلغة تتناسب مع الطّرح والفكرة بعيدًا عن الإلغاز والاستعراض والحركات البهلوانية المتهالكة.

ـ كيف تقيمين التجربة السردية (الرواية، القصة) في العالم العربي راهنا؟ حبذا لو أشرت إلى بعض هذه التجارب؟

* المشهد السردي العربي المعاصر مشهد طبيعي على امتداد أصقاع الوطن العربي، فهو خليط من التجارب العملاقة التي يُفخر بها، وهي تجارب قدّمت عبر عقود طويلة أعمالاً عملاقة يشار بها بالبنان، وتتوافر على كثير من التجارب الناشئة الموهوبة التي تحتاج إلى الوقت والدربة والإخلاص كي تلج في مرحلة التميّز، وهناك بالتأكيد الاسماء المتطفلة على المشهد التي تريد رغم أنف عجزها أن تكون مبدعة ومشهورة،فتخفق في ذلك؛ لأنّها باختصار غير موهوبة ولن تكون!

ـ هل يعتبر التذوق الشخصي للنصوص الأدبية أساسا في كل دراسة نقدية؟

* قد يكون التذوّق الشخصي هو عتبة الدراسة النقدية، ولكّنه بالتأكيد لا يكفي ما لم يكن متسلّحًا بالأدوات والرؤية والدراية والثقافة والاطلاع.

ـ دائما نلاحظ استنكاف الناقد الأدبي العربي عن متابعة الإنتاج الأدبي، هل السبب في ذلك تضخم هذا الإنتاج تضخما كميا على حساب النوع، أم أن هناك أسبابا أخرى؟

* لا أستطيع أن أحدّد سببًا بعينه لهذه المعضلة؛ فهذا الأمر يحتاج إلى دراسة مستقلّة من أجل الخروج بنتائج علمية ودقيقة في هذا الشأن، لكن يبدو أنّه من المنطقي أن نفترض أن تحوّل النقد من سلوك جمالي إلى وظيفة في جامعة أو صفحة ثقافية أو مجلة أسبوعية إلى جانب طوفان الأعمال الرديئة التي تصيب الناقد بالإحباط،تساهم جميعًا في تعطيل دفّة النقد الإيجابي البنّاء.

ـ أخيرا ماذا تقول د. سناء عن القصة القصيرة جدا، هل صارت جنسا أدبيا له أركانه وتقنياته وخصائصه؟

* القصة القصيرة جدًا تقدّم تجربة حداثية جريئة تتعاطى مع أشكال التجريب،وتلعب بذكاء على حرفية الاختزال والومضة والاستدعاء. وهي تجربة أثبتت نجاحها وحضورها في المشهد الإبداعي ولا سيما على أيدي المبدعين الذين يتقنونها، ويجيدون بناءها.

حاورها: بسام الطعان

* المصدر: akhbar-alkhaleej

تعليقات: